آل البيت .. سيكولوجيا الخطأ وواقعية الحل .. !!
د.طلال طلب الشرفات
05-09-2018 02:00 AM
ما حدث في جامعة آل البيت لا يجوز أن يثير الاستغراب؛ لأن المقدمات دائماً تقود إلى النتائج، وربّما لم يلاحظ الغالبية أن إدانة ما حدث في الجامعة ينحصر بمن هم من خارج المحافظة، أمَّا أبناء المنطقة من مدينة المفرق، وقراها، والبادية، انحازوا جميعهم للمحتجين، وذلك لسبب بسيط مرة اخرى، أن المقدمات تقود إلى النتائج، والمقدمات في واقع التعليم العالي في الاردن، والجامعات تحديداً مزعج ومؤلم جداً ويكاد يماثل جامعة آل البيت إلى حدٍّ كبير مع استثناءات بسيطة في الجامعة الاردنية، والعلوم والتكنولوجيا، والهاشمية، وإن كان هذا الاستثناء ليس دائماً.
تغريب اساتذة الجامعات، والقضاة والمدراء، والقادة الإداريين، وطلبة الجامعات في كل أصقاع الوطن؛ بعيداً عن القرية، والقبيلة ضرورة وطنية، وهي الحل الوحيد لمعالجة الهويات الفرعية، والارتداد نحو القبيلة، في جامعات الأطراف اعتاد الرؤساء، ومجالس الامناء توزيع نواب الرئيس، وعمداء الكليات على المكونات الاجتماعية، والعشائر بالتناوب، وربما يترك عميد شؤون الطلبة لتوازنات معينة، والبحث العلمي والدراسات العليا، لاعتبارات أكاديمية أو لتعزيز الوحدة الوطنية، وفي كل الأحوال تبقى التوازنات الاجتماعية وإرضاء النخب في تلك المكونات - خلافاً لمنطق بناء الدول المتحضرة - هو الأساس في سياسات الإدارات الجامعية.
الهويات الفرعية، والمناطقية جعلت دولة الدكتور عدنان بدران يجري تعديلاً وزارياً قسرياً خلال أيام لأنه نسي احدى المناطق المهمة وفق التصنيف النخبوي من تشكيلته الحكومية، وهي ذاتها التي جعلت دولة الملقي يرضي إحدى العشائر بموقع امين عام إلى حين قدوم أول تعديل لإدخال القبيلة في التشكيل الحكومي، وهي نفسها التي تحكم معايير النواب أحيانا والأعيان، والهيئات وبعض المواقع العامة؛ وفقاً لحضور تلك المكونات الاجتماعية في مواقع القرار والإعلام.
ثقافة الهويات الفرعية، والمحاصصة المناطقية؛ هي التي أسست لاقتحام مكتب رئيس جامعة آل البيت وطرده من مكتبه؛ لأن مجلس أمناء الجامعة إستثنى إحدى المكونات الاجتماعية هناك من موقع نائب الرئيس الذي اعتادت عليه وفق قواعد المحاصصة المقيتة وليس لأن مجلس الأمناء نسب بالرئيس المنتهية ولايته كما يشاع، ومجلس التعليم العالي عليه أن يدرس بعناية أثر بعض التصريحات التي تذكي المشاعر الغاضبة وأطلقت في اجتماعات الجامعة، وكان من شأنها إثارة النعرات، وهي تصريحات أطلق مثلها وزير التعليم العالي في عام (2003) وكادت ان تثير مشكلة وطنية كبيرة وقتذاك.
الإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي يجب أن يكون متكاملاً والدوائر المغلقة لأبناء البادية هي احدى العثرات التي تعيق تطبيق مبدأ سيادة القانون، وهي إحدى معيقات بناء قواعد الحوار الأفقي المسؤول، وقبول الآخر في مؤسسات التعليم العالي، فالمجتمعات الحيّة، والدول العاقلة تستفيد من تجارب الآخرين في بناء قواعد التطور وتكريس مفهوم احترام هيبة الدولة، وسيادة القانون؛ لا ان تعمد إلى الحلول المؤقتة، والحزم التائه؛ الذي لا يراعي بواعث الاستقرار الاجتماعي.
ما حدث في جامعة آل البيت مرفوض، ومستنكر، ومدان، ولكنه متوقع لأن الواقع المر الذي تعيشه جامعاتنا وبما يحوي ذلك من بوادر الفساد الأكاديمي في مجالات كثيرة؛ يؤشر لحالة من الخلل البنيوي في منظومة أداء الجامعات الأردنية، ولا يمكن معالجة هذا الخلل إلا بتشخيص للمشكلة، ومعالجة مظاهر الفساد الأكاديمي في العلامات والأبحاث والرسائل، ومعايير الترقية، والتعيين، والتحكيم، والتقييم، وامور اخرى؛ تستدعي إعلان حالة الطوارئ في هذا المجال، وتغريب الأساتذة، والغاء أسلوب المحاصصة المقيتة من كل مؤسسات الدولة ومواقعها، والإيمان دوماً بأن الوطن للجميع، وان الهوية الوطنية الجامعة هي ملاذنا الآمن من مخاطر القادم المجهول، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ...!!