بون شاسع يفصل بين مفهومي المواطنة والتوطين، وبالرغم من بعض التشابه اللفظي بينهما، فإن المعنيين مختلفان تماما، وتطبيق كل من المفهومين يأتي بنتائج معاكسة لبعضهما بعضا. وفي حين أشعر أن ما أقوله في الحالة الأردنية يندرج تحت باب البديهيات، فإن خلط هذين المفهومين، ومن قبل شخصيات عامة كثيرة، يستوجب توضيحا لهما، وصولا لإجماع وطني يتطلبه ما يواجه الأردن اليوم من محاولات إسرائيلية وأميركية لتصفية القضية الفلسطينية على حسابه.
المواطنة المتساوية مفهوم إيجابي وضروري لمنعة الأردن، بل هو ضروري لمنعة أي بلد في العالم. وهو موضوع بت فيه الدستور بشكل حاسم منذ أن كتب العام 1952؛ أي بعد النكبة الفلسطينية بقليل. وقد فهم المشرع الأردني حينذاك ضرورة ترسيخ هذا المفهوم في المجتمع الأردني سياسيا ومجتمعيا، فجاءت المادة السادسة من الدستور واضحة وضوح الشمس، خاصة فيما يتعلق بالمكون الفلسطيني بعد النكبة، وربما هناك حاجة لاستذكارها هنا. "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". وقد أوضح الأردن في حينه أن هذه المادة لا تؤثر بشكل من الأشكال على حقوق المواطنين من أصل فلسطيني في العودة و/أو التعويض حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194.
هذا المفهوم الراقي الذي يجعل من كل حامل رقم وطني أردني مواطنا كامل الدسم، هو ما انتبه إليه ورسخه المشرع الأردني منذ ما يقرب من سبعين عاما، وهو الذي يحصن الجبهة الداخلية اليوم ويقف سدا منيعا أمام المحاولات الخارجية لزعزعة استقرار هذا البلد الذي نحافظ عليه جميعا بقرة العين، وهو الكفيل بالتصدي، بل إفشال صفقة القرن وكل المحاولات الإسرائيلية والأميركية لإنهاء القضية الفلسطينية. المواطنة المتساوية مفهوم راق وإيجابي لأبعد الحدود، ويجب أن يقف وراءه كل أردني وأردنية يبتغون منعة الأردن.
أما التوطين، فهو مفهوم مغاير تماما، ينطبق على من لا يحمل الجنسية الأردنية، ويراد منه إنهاء الهوية الفلسطينية، ومنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني، وإبقاء القدس تحت السيطرة الإسرائيلية، والتخلص من أعداد كبيرة من الفلسطينيين القاطنين اليوم تحت الاحتلال، باعتبار أن استمرار صمودهم خطر وجودي للمشروع الصهيوني، وبالتالي فإن تهجير أعداد كبيرة منهم مصلحة إسرائيلية بحتة تتعارض تماما اليوم مع المصلحة الأردنية العليا بنفس مقدار تعارضها مع المصلحة الفلسطينية.
إذا، التوطين بمعنى إعطاء الجنسية الأردنية لمن لا يحملها اليوم، بغض النظر عن أماكن تواجده، محاولة فاضحة لتمرير "صفقة العار" عن طريق محاولة تهميش الهوية الفلسطينية واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ومحاولة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن.
التوطين إذا مفهوم خطير وسلبي، يهدد المصالح الأردنية والفلسطينية على حد سواء، وهو بذلك مفهوم معاكس تماما لمفهوم المواطنة. مواجهة صفقة القرن تكون بالوقوف مع المواطنة والوقوف ضد التوطين. الوقوف مع المواطنة يعني تحصين الجبهة الداخلية ضد أي محاولات خارجية للإخلال بالأردن، كما أن التصدي للتوطين يعني التصدي لصفقة القرن، ويجب أن يقرن بدعم بقاء الفلسطينيين والفلسطينيات على أرضهم، فإذا ما نجحنا في ذلك يصبح الفلسطينيون أغلبية داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل اليوم، وساعتها لن يكتب لا لصفقة القرن ولا لقطع المعونات عن الأونروا ولا لقرار نقل السفارة الأميركية للقدس ولا لأي إجراء آخر يحاول النيل من الهوية الفلسطينية النجاح.
نعم للمواطنة المتساوية، وألف لا للتوطين.
الغد