أكاد أجزم أن جُلّ أصحاب الألباب، إنْ لم يكنْ كلُّهم، يتمنوْن أنْ يعرفوا، ولو على سبيل التخمين، ماذا يدور في أروقة
الكيان الصهيوني، وعلى موائد سادته وفي أذهانهم، سواء على مستوى هؤلاء القادة أم على مستوى القواعد، عندما يطرح السؤال المملوء بكل أنواع الخبث والإجرام والقائل: هل هم حقيقةً،»دولة»؟ وهل يملكون، كما تملك كل
الكيانات السياسيّة في هذا العالم، منذ اليونانيين، ومنذ البدء بمقولة الدولة – المدينة، وقبلها وبعدها إمبراطوريات الروم والفرس، وكيانات وادي النيل وما بين النهريْن، هل يملكون القدرة على أنْ يسموا أنفسهم شعوباً، وهذا التجمع القائم على الاغتصاب الذي يعيشون عليه»دولة»؟ وهل هناك أي من الدول في هذا العالم.
قد قامت على مبادئ الاغتصاب والاحتلال وقتل الآخرين وتدمير أسباب حياتهم؟ وهل هناك دولة في الدنيا تكونت من قطعان من البشر أتوْا من الشتات، وتجمعوا بمساعدة قوى الطغيان على أرض ليست لهم، وليست ملكهم، وطردوا أهلها الشرعيين والمتحدرين فيها منذ آلاف السنين، وسكنوا بيوتهم التي ما تزال مفاتيحها معهم، وحصدوا زروعهم وجمعوا ثمارهم، وأكلوها سحتاً، وهم لا يعلمون (أو يعلمون) إنما يأكلون في بطونهم ناراً؟ بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما قالوا:
إنهم أشرفُ أهل الأرض، وإنهم»شعبُ االله المختار»، وإنهم الوحيدون على هذه البسيطة الذين ترسمت حدود
»دولتهم» بنصٍّ سماوي، فقالوا «بأرض الميعاد».
في الذكرى المشؤومة (الخامس عشر من أيار) عام 2015 ،سطر علاء الدين العَاِلمْ إشارة ملفتة للنظر، تحدث فيها عن بناء الكيان الصهيوني، وأنه قائم على كومة من»الكذب»وقد استحضر العَاِلمُ دراسة الفيلسوف الفرنسي»جاك دريدا» «تاريخ الكذب»الذي تحدث فيها عن ثلاث شبكات لمفهوم الكذب؛ الأولى تاريخ خاص بمفهوم الكذب.
والثانية تاريخ خاص بكل الأحداث التي وقعت للكذب أو بسببه. وأخيراً تاريخ ذو بعد واقعي يروي كل الأكاذيب أو الكذب بصفة عامّة. وفي هذه الثالثة يتطرق »دريدا» إلى مفهوم إعتذار الدول عن كذبة أدّت إلى كارثة، ويمثّل على ذلك
باعتذار فرنسا (أيام جاك شيراك) عن عدم حماية بعض مناطق اليهود في فرنسا في الحرب العالميّة الثانية.
وهنا نستحضر محاولات العرب اليائسة والبائسة في دفع بريطانيا للاعتذار عن وعد بلفور. فبدل أن يأتي الاعتراف والإعتذار بهذه الكذبة الكبرى، ذهبت بريطانيا إلى النقيض، فاحتفلت بالذكرى المئوية للوعد الكاذب، وقد جاء على لسان رئيس وزرائها تيريزا ماي قولها: «إن وعد بلفور أو رسالته كانت واحدة من أهم الرسائل في التاريخ.
رسالة أدّت إلى ولادة دولة غير عاديّة، رسالة فتحت الباب للمساعدة في جعل الوطن اليهودي حقيقة».
ومن الجهة الأخرى جاء التصديق الأميركي لهذه الكذبة عندما أعلن الكونغرس قبل سنين اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ثم جاء ترمب، وفي الذكرى المشؤومة، لتطبيق الكذبة على الأرض.
رزمة من الأكاذيب، ظلت تتردد حتى أصبحت تداني الحقيقة لدى العديد من الدول، وذلك عندما تمت ممارسة تدعيم «الزّعم الذي يُفْرَضُ بالقوّة». أكاذيب بدأت بالوعد، وبإدعاء أن فلسطين أرض الميعاد، ومعاداة الساميّة، والعقيدة الإسترجاعيّة ورؤيتها الألفية، ونظريات نَفْع اليهود للمجتمعات الغربيّة، وتضخيم كذبة الهولوكوست.
أما نحن العرب الذين نملك الحق والحقيقة، فقد اكتفينا بالصعود إلى أسطح منازلنا، ورفعنا أيدينا إلى السماء داعين على اليهود، الذين أعلنوا قوميّة كيانهم، بالهلاك والدمار، وأنْ يرينا االله بهم يوماً أسود.
hadrami@hotmail.com
الرأي