تصفية الأونروا .. ماذا بعد !
د. نضال القطامين
02-09-2018 05:56 PM
بدا كما لو كان الأمر قنبلة تناثرت شظاياها على أحلام اللقاءات الثنائية، فنسف عصفها القضايا ذات الإهتمام المشترك.
لم يكن مفاجئاً أبدا أن تقرر الإدارة الأمريكية التوقف عن تمويل الأونروا. هذا ليس من شان المصارع الذي ملأ الدنيا صخباً وافتعل مئات المعارك، فأعيا هذا البهلوان عتاة الساسة بالحمق، وأسكت المتفائلين بمزيد من الصفعات.
لم نكن بحاجة لمثل هذا القرار لنكتشف سوء النوايا في علامات طريق الإدارة الامريكية التي ستؤدي نحو السلام في الشرق الأوسط.
لقد كان واضحا اتجاه الإدارة الأمريكية منذ حملات الانتخابات وبعد الفوز، في أن التعامل مع قضايا اللاجئين عموما سيأخذ منحىً جديد ومختلف، وقد وجد اليمين المتطرّف في الولايات المتحدة وفي أوروبا في مخرجات الازمات في الشرق الأوسط، سبباً للإفصاح عن النوايا السيئة تجاه قضايا اللاجئين، وفرصةً لإعادة تعريف مصطلح اللجوء بمفهومه الإنساني نحو خلطه بمفهوم الهجرة، ولترسيخ وصم المهاجرين بالتطرّف، وتعبئة الرأي العام ضدهم.
لا أحد يقف ضد إنهاء الصراع الذي تسبب في كل عواصف الشرق الأوسط، بل أن الأمر تعدى ذلك حين وافقت جميع الأطراف على حلول تقوم على مبدأ الدولتين، واشترطت في سبيل تحقيق ذلك، تسوية قضايا الوضع النهائي بطريق المفاوضات، وفي مقدمتها القدس واللاجئين.
اليوم، تصفع الإدارة الأمريكية خطط السلام مرة تلو أخرى؛ صفعت القدس في قرار جائر بنقل السفارة وهو قرار ظالم وغير قانوني، ناهضته دول العالم كلها في الجمعية العامة التي اكدت في قرارها أن أي قرارات وإجراءات تهدف إلى تغيير طابع مدينة القدس الشريف أو مركزها أو تركيبتها الديموغرافية ليس لها أي أثر قانوني، وأنها لاغية وباطلة، ويجب إلغاؤها امتثالًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. لكن السؤال هو من يقيم وزنا لقرارات لم تنفذ منذ نصف قرن !
ووسط صلف وغرور غير مسبوقين، قررت ذات الإدارة وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
هكذا بكل بساطة وبكل صفاقة، تدير الولايات المتحدة ظهرها للعالم وتبدأ التمهيد والتسوية لترفع بنيان صفقة القرن مبتدئة بمحاولات إلغاء حق العودة وتثبيت التوطين.
يمكن لأكثر المتفائلين أن يقرأ رسائل عديدة بين ثنايا هذا القرار، ويمكن بوضوح رؤية الإنحياز الصلف لليمين المتشدد في اسرائيل، لكن إدارة ظهر الإدارة الأمريكية لكل " ثوابت القضية" واضح مثل عين الشمس.
ماذا على العالم أن يفعل إزاء هذه الأحادية في التفكير وفي التخبط؟ شيء واحد؛ هو تعويض الوكالة عن وقف التمويل الأمريكي بزيادة مساهمات الدول المانحة في تمويلها وقيامها بدورها في توثيق تعدادهم اولا ومنذ عام ١٩٤٨ ولكي تستمر في الإنفاق على برنامجي التعليم والصحة التي تخصص الوكالة لهما نحو 80% من موازنتها، وتدرأ الجهل والمرض عن نحو خمسة ملايين لاجىء فلسطيني مسجل لديها.
وسط هذه الدهشة في العالم حيال القرار غير الصائب وغير المتسق مع تاريخ الرعاية الأمريكية لتداعيات القضية المركزية في الشرق الأوسط، يستمر الأردن في اقتسام قِدره مع أهله وأشقائه وإخوانه، وتستمر الوكالة بتشغيل 666 مدرسة وتسعة كليات مهنية وكليتين للعلوم التربوية إضافة إلى معهدين لتدريب المعلمين في الأردن، بينما تنشط الدبلوماسية الأردنية في محاولات اقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن القرار، لكن الأهم قطعا هو قراءة وطنية متكاملة لتداعياته على كافة الصعد المرتبطة بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن حركة عربية واسلامية تستنهض القرار الدولي بوجوب التعامل مع هذا التمادي بحزم وإدانة، وبرفض صارم لكل الاجراءات الاحادية غير القانونية بما فيها ملف القدس الشريف واللاجئين.