تجتهد "النخبة" الأردنية في استكشاف بديل لرئيس الوزراء نادر الذهبي. فلا يهم ماذا أنجز وأين تعثر وما هو برنامجه المقبل, المهم هو التغيير بمعناه التافه، أي الحفاظ على الوضع الراهن كما هو وتغيير القشرة الخارجية ومنح لقب دولة لمزيد من المتطلعين.
وجاء استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية محبطا للمجتهدين، فقد استقرت شعبية رئيس الحكومة وارتفع تقييم أدائها في السياسة الخارجية. واللافت أن الانخفاض جاء فجا في قائمة كبار رجال الدولة من عينة قادة الرأي الذين منحوه في البداية تقديرا استثنائيا وصل إلى 92 % بعد عام من التشكيل لينخفض إلى 78%في المائة بعد عام ونصف! وربما التفسير الأسهل للانخفاض هو التغيير الذي طاول شقيق الرئيس في دائرة المخابرات العامة.
أفاد 62% بأن رئيس الحكومة كان قادراً على تحمل مسؤوليات المرحلة بعد مرور عام ونصف العام على تشكيل الحكومة، مقارنة بـ62% أفادت بذلك في استطلاع العام، مرتفعا عن 56% أفادوا بذلك في استطلاع المائتي يوم و61% أفادوا بذلك في استطلاع المائة يوم ومنخفضا عن 66% توقعوا بأن الرئيس "سيكون قادرا على تحمل مسؤوليات المرحلة" في استطلاع التشكيل.
وبناء على مقارنة استطلاعات الحكومات منذ عام 1996 حتى الآن، ما تزال ثقة المواطنين بقدرة الحكومات المتعاقبة على تحمل مسؤوليات المرحلة في تراجع مستمر. ويبدو هذا التراجع جلياً عند مقارنة تقييم الرأي العام لأداء حكومتي الكباريتي والمجالي مع غيرهما من الحكومات اللاحقة. وخلص الاستطلاع إلى أن محافظة حكومة الذهبي في هذا الاستطلاع على التقييم نفسه في استطلاع العام قد يمثل "فرصة للعمل على تجسير فجوة الثقة بين مؤسسة الحكومة والمواطنين".
وبعيدا عن أرقام الاستطلاع علينا أن نتذكر الثقة غير العادية، التي منحها مجلس النواب للحكومة عندما تشكلت. مع أنها حكومة عادية من حيث الكفاية والقدرة وتشكلت بالطريقة ذاتها التي تشكل فيها من قبلها. وبعد الثقة تخلى أعضاء كثيرون في المجلس عن دوره الدستوري في الرقابة والمساءلة والتشريع ليواصل دوره المستحدث الذي بدا جليا في الاستطلاع المنشور قبل أسبوع وهو العمل على تحقيق مصالح شخصية لا مصلحة عامة.
لا يأخذ النواب ثقتهم ولا الحكومات من استطلاعات الرأي؛ فشعبية بوش ظلت في انهيار ولم يغادر موقعه الرئاسي إلا عقب الانتخابات التي جاءت بأوباما. وهي أداة بحث علمي مهمة وليست الأداة الوحيدة لدراسة الحكومة والنواب. ومن حسن الحظ أن أحدا لم يدرس "محتوى" كلماتهم وبياناتهم ومواقفهم. تماما كما الحكومة التي لا يمكن اعتبارها استثناء عمن سبقها.
في استطلاع النواب بدا كم نجحت الحكومات المتعاقبة منذ العام 1993 في تدمير ثقة الناس به. إلى درجة أن حزب جبهة العمل الإسلامي تقدمت الثقة فيه على الثقة بمجلس النواب في السؤال عن الثقة بالمؤسسات. تماما كما تقدمت عليه الحكومة التي جاء ترتيبها في المرتبة الثانية بعد دور العبادة.
عندما حلت حكومة عبدالسلام المجالي المجلس وشرعت قانون الانتخابات غير الدستوري العام 1993 لم تكن تدري أنها تخالف المادة الأولى من الدستور. وعلى خطاها سارت حكومة علي أبو الراغب عندما عطلت المجلس عامين وشرعت أكثر من مائتي قانون مؤقت لم تكن تعلم أنها تعطل نفسها وتسلب المجلس من حقوقه الدستورية.
أحوج ما تكون البلاد اليوم إلى حكومة تمنح الثقة لمجلس النواب. فضعف الثقة ليس بهؤلاء النواب تحديدا وإنما بمؤسسة المجلس. وهذا يتطلب العودة إلى الأصل وهو قانون انتخابات القائمة، وإجراء انتخابات نزيهة من دون تدخل حكومي. ساعتها تعود الأشياء إلى طبيعتها؛ ناس تثق بالمجلس ومجلس يثق بالحكومة.
yaser.hilala@alghad.jo