المطلوب لمواجهة «مكائد» سياسية
حسين الرواشدة
02-09-2018 01:18 AM
آخر ضربة «قاسية» تلقاها الاردن في مارثون الصراع على القضية الفلسطينية هي الاعلان الامريكي عن وقف تمويل «الاونروا»، والمسألة هنا لا تتعلق فقط بما يترتب على هذا القرار من اضرار اقتصادية واعباء انسانية، وانما بما يتضمنه من «مكائد» سياسية ايضا.
اذا اضفنا لملف وقف التمويل عن وكالة اغاثة اللاجئين الفلسطينين (يقدر عددهم بنحو 6 مليون يتوزعون على 5 مناطق منهم نحو 40 % في الاردن) ملف سحب الاعتراف باللاجئين انفسهم، تمهيدا لاعتبارهم مواطنين في البلدان التي يقيمون فيها، ثم ملف القدس التي اصبحت بقرار امريكي عاصمة لاسرائيل وخارج اطار طاولة المفاوضات، فان العنوان الصحيح الذي يمكن ان نذهب اليه لفهم ما يجري هو تصفية القضية الفلسطينية واشهار الدولة القومية اليهودية، ثم معاقبة كل الاطراف ذات العلاقة، وفي مقدمتها الاردن الذي سيكون اكثر المتضررين مما حدث.
مواجهة هذه الملفات، وما تحمله من اشارات وتداعيات صعبة تحتاج من الدبلوماسية الاردنية الى «استدارة» في اتجاهين : احدهما تجاه الخارج ويتعلق بخياراتنا (اضطراراتنا : ادق) الدولية والاقليمية، وهذا يتطلب تحولات ومقررات شجاعة ومدروسة على صعيد ترتيب اولياتنا في التحالف والصداقة والتعاون والشراكة، وعلى صعيد تقليل ما امكن من الخسائر، والحفاظ على امكن من المصالح العليا، باعتبار ان معركتنا القادمة ليست معركة سياسية للدفاع عن الحدود والادوار فقط، وانما للدفاع عن الوجود ايضا.
اما الاتجاه الثاني فهو داخلي، ويتعلق بترتيب البيت الاردني وتأثيثه للحفاظ على سلامة المجتمع ووحدته، وتمتين جبهته الداخلية، وهذا يحتاج الى حديث طويل، لكن اهم ما فيه ان هذه المهمة الكبيرة والملحة لا ترتبط بنوايا الحكومة وبرامجها ووعودها وانما يجب ان تنطلق من «ارادة» الدولة» بكل مؤسساتها واجهزتها، فالحكومة مهما امتلكت من نوايا ومضامين وادوات لن تستطيع وحدها ان تنجز «الاستدارة» المطلوبة لاصلاح الداخل واقناع الناس بان التغيير قادم وحقيقي ولا رجعة عنه.
هنا على صعيد ملف الداخل لا بد ان نعترف ان ثمن «الاستعصاء» السياسي الذي يريد البعض ان ندفعه في هذه المرحلة اكبر بكثير من ثمن «الانكفاء» عن الاصلاح فيما مضى، ونحن لا نتوقع ان يقتنع بهذه الحقيقة العباقرة الذين سبق ان جربناهم ولا نتوقع ان يفهمها الذين يحاولون تكييف الاصلاح على مقاسات خاصة بهم لافراغه من مضامينه، او الاخرون الذين يندفعون لفبركة ما يلزم من فزاعات لتخويف الناس من التغيير، ولكننا نريد ان نفهمها نحن اولا لننطلق من خلالها الى مصارحة الناس بان ما يصلهم من رسائل لاقناعهم بان الاصلاح ضد مصالحهم وضد وحدتهم الاجتماعية وضد أمن بلدهم، وضد مكتسباتهم الصغيرة والكبيرة هي رسائل مغشوشة وفزاعات غير حقيقية ومحاولات يائسة للتغطية على الفساد ومنع محاكمة المتورطين فيه، وادامة الفقر والبطالة واللعب على وتر العاطفية الوطنية النقية لتوظيفها في اتجاه حماية انفسهم ومستقبلهم السياسي ومسح آثامهم التي ارتكبوها بحق الشعب والدولة والنظام.
في هذه المرحلة الاخطر على مستقبل بلدنا، لا بد ان نقول للذين يريدون ان يوهمونا بأن «ثور» الاصلاح سيحطم زجاج بلدنا ويبتدعون ما يخطر في بالهم من لافتات حمراء لابعاده عن الميادين، ويحشدون بعضنا لمصارعته والانقضاض عليه : رجاء انصرفوا من المشهد فانتم لا يهمكم كم سندفع من ثمن، ولا كم دفعنا فيما مضى، يهمكم فقط ان تظلوا في مواقعكم لكي لا نحاسبكم، يهمكم فقط مزاداتكم وبازاراتكم التي امتصت «دم» البلد وافسدت ما بقي منه في العروق.
الدستور