عندما يَخْذِلُنا اليسار .. !!
د.طلال طلب الشرفات
29-08-2018 08:31 PM
حين تم تكليف دولة الرزاز بتشكيل الحكومة في سابقة غير مألوفة عند تشكيل الحكومات الأردنية؛ أوسعنا اليسار الأردني المنظّم والعفوي طرباً، وأذهلنا دعاة الدولة المدنية بحجم الفرح الذي انتابهم للدرجة التي خشينا فيها على فلول المحافظين من خطر الإجتثاث، وعلى دعاة مدرسة الاقتصاد الكلي من إقصاء لا رجعة فيه، يومها لم ينتابني القلق؛ لأنني كنت من المتابعين عن كثب لأداء الرئيس- الوزير وقتذاك- في التربية والتعليم، وأدركتُ نجاحه الباهر في لجم غضب غلاة المحافظين من المعلمين، وبدد مخاوف صقور المتدينين في النقابة، والميدان من مخاطر تغريب المناهج وعلّمنة التعليم.
لا أنكر في تحليلي أن الرئيس يقترب من يمين اليسار، وأظنه قومي الفكر، يساري الأدوات، ومن المحافظين عندما يتعلق الأمر بثوابت الدولة الأردنية، وهويتها، وحرمة مالها العام، ولهذا لم يكن الرئيس يشتري ولاء النواب الإسلاميين عندما قال: أنه ليس ليبرالياً، وهو صادقاً في ذلك؛ لأنه يرأس حكومة في دولة محافظة لا يتعدي نسبة اليساريين فيها والعلمانيين في أحسن الأحوال عن (7- 10) % والباقي يتمثل في الإسلاميين، والقوميين، والوسط وهي نسبة تعكس السياق العام في شكل المجتمع وملامح ثقافته.
هلّل اليسار كثيراً عندما كُلِّفَ دولة الرزاز بتشكيل الحكومة، وغادروا الدوار الرابع، ولكنهُ أعاد مفهوم ثقافة النخب الأردنية في عدم تأييد النهج وترسيخ الأداء الديمقراطي، والتواضع السياسي، والرَّزانة السلوكية في إدارة مرافق الدولة، فانقلبوا على الرئيس في جلسة الثقة وتحالفوا مع خصومهم السياسيين لمحاولة الإطاحة بالرئيس وهم الذين هلّلوا له قبل أيام، وأظن أن ذلك تعبير عن غياب في النضج السياسي وإدارة معركة إسناد النخب القريبة من الفكر والنهج، ويؤكد ان البراجماتية السياسية في المشاركة الفعلية في الحكومة هي وحدها الكفيلة بتأييد النهج وفي ذلك غلو ونكوص عن الفكر والإيديولوجيا لحساب المصالح الضيقة.
وباء عدم ثبات فكر النخب الأردنية يتكدّس في مفاصل الحياة السياسية الأردنية، وقواها الاجتماعية والحزبية، واليسار منها بل إن معظم اليساريين عندما دخل السلطة انقلب على الديمقراطية، والحرية ونصرة الطبقة العاملة، لمصلحة البرجوازية السياسية المغلفة ببعض عبارات اليسار لخدمة مشروع السلطة لا الدولة؛ بل إن بعضهم يُضحي يمينياً متطرفاً عندما تتعارض الفكرة مع مصالحة التي يتطلبها الاستمرار في السلطة.
ويرى بعض المنظرين للمفهوم الهُلامي للدولة المدنية أن الحكومة بارعة في إدارة الفوضى، وهذا افتئات على الصداقة التي يدعونها، والنهج الذي يزعمون بإسناده، وتجاهل لفكرة فن الممكن في إدارة الدولة في الظروف الصعبة، والاستثنائية، وفي ظني أن الحكومة الأردنية التي تجرأت -للمرة الأولى- منذ حكومة وصفي التل بطرح مفهوم مراقبة نمو الثروة للمكلفين بأشهار الذمة المالية لتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، والتي تستحق منا أن نتباهى بتاييدنا لنهجها وفكرها وقراراتها.
والحكومة التي خالفت نهج صندوق النقد الدولي ولم تضع مشروع قانون ضريبة الدخل والمبيعات على جدول أعمالها في الدورة الاستثنائية؛ هي حكومة وطنية تهاب الشعب، وتحترم ممثليه، وقواه، وتحرص على مزيد من الحوار، والحكومة التي تحاول تطبيق معايير العدالة، والنزاهة، والمساواة وتكافؤ الفرص؛ تستحق الإسناد، والتاييد، والرئيس الذي يزيل الحواجز البروتوكولية مع الشباب، والنّخب، ويُعزز دور الثقافة، والفن، ويطرح من المرأة خياراً تشاركياً في إدارة الدولة، وينحاز للشهداء وأسرهم، ورجال الجيش والأجهزة الأمنية في رسالتهم الوطنية الخالدة؛ هو رئيس يُحترم، ويستحق منا أن نعزز الدور الوطني في إسناده؛ كل منّا في موقعة وقدرته من اجل وطن حرّ، وحكومة تمثل إرادته الناجزة.
اليسار الذي كان يطرح من نفسه خياراً عادلاً لمصالح الشعب؛ عليه إعادة قراءة ممارساته السياسية؛ قبل أن نعلن نخب اليسار المنظمة أو غير المنضوية في أحزاب وتيارات قد خذلتنا إلى غير رجعة، وحمى الله الوطن من كل سوء ...!!!