ابدى رئيس الوزراء نادر الذهبي خلال لقائه اعلاميين اقتصاديين يوم الخميس الماضي تفاؤلا واضحا بشأن الوضع الاقتصادي على عكس بعض التصريحات الرسمية التي تشير الى صعوبة الوضع وتداعيات جسيمة باتت تقلق مراكز رسم السياسة, فلماذا يتفاءل الرئيس ويتشاءم وزراؤه.
في اعتقادي ان تفاؤل الذهبي يستند على جملة من العوامل غير متوفرة في وزرائه, فعلى سبيل المثال وزير المالية دائما يطلق تحذيراته من حتمية تنامي عجز الموازنة, وهذا شيء منطقي, لان وزير المالية كثير الشكوى والنكد بالنسبة لزملائه الوزراء, ولو كان غير ذلك فان هناك شيئا غريبا تجب مراجعته.
اما بالنسبة للرئيس الذهبي, فان الوضع مختلف تماما لعدة اسباب واقعية بالدرجة الاولى, فالذهبي كان قد قاد ازمة الاسعار وجنون معدلات التضخم العام الماضي باقتدار, واشرف شخصيا على ادارة الفريق الاقتصادي الوزاري نحو تعزيز الاستقرار المالي والوصول الى المؤشرات المستهدفة في قانون موازنة ,2008 واستطاع ان يخفض العجز الى اقل من 400 مليون دينار في نهاية المطاف اذا ما اضفنا ايرادات صفقة اراضي ميناء العقبة, وبالتالي بات لدى الرئيس خبرة ادارية عالية المستوى في التعاطي مع مؤشرات الموازنة العامة التي اعدتها حكومته وتعهد بتنفيذها.
الذهبي يدرك حقيقة الموازنة العامة لسنة ,2009 ويعي جيدا تفاصيلها ونقاط الضعف فيها, الا ان انطباعاته الاولية حول العجز في العام الحالي, تؤكد تصميمه على انجاز ايجابي في هذا الاتجاه بقوله انه يتابع كل صغيرة وكبيرة في الموازنة ومدرك لآليات خفض وضبط العجز الى النسب المستهدفة وفي نهاية العام سيتضح الامر بشكل واضح.
نعم باستطاعة حكومة الذهبي ان تحقق جميع اهداف الموازنة العامة في السنة الحالية, فهناك موارد مالية متاحة للرئيس في بنود النفقات الرأسمالية وتحصيلات الضريبة الخاصة باعفاء المتخلفين من الغرامات وبند المساعدات الاستثنائية خاصة المقدمة من الامم المتحدة كتعويضات عن حرب الخليج.
حتى المشاريع الكبرى التي تعول الحكومة الكثير على تنفيذها تصطدم اليوم بتداعيات الازمة المالية من حيث استكمال الغلق المالي للسير في انجازها مثل ما حدث في السكة وميناء العقبة وغيرها من المشاريع لم تستسلم الحكومة لذلك وباتت تفكر في جميع الخيارات التي تضمن البدء في عمليات التنفيذ مثل ما حدث مؤخرا في مشروع الديسي.
ولا ننسى ان الحكومة اليوم بصدد اتخاذ قرار نهائي يتعلق بعطاء الجيل الثالث بعد ان تقدمت له شركة الاتصالات الاردنية لوحدها فقط, وفي حالة رفض العرض فان الحكومة على استعداد للتفاوض من جديد مع الشركات العاملة في الاتصالات لانجاز هذا المشروع بشكل لا يبخس حق الخزينة ويخدم عملية تطوير وتحديث قطاع تكنولوجيا المعلومات.
في النهاية, لم يخل اي وقت من الاوقات من ازمات تعصف بالاقتصاد الوطني الذي كان ينتقل من ازمة لازمة بسلام, الا ان المهم هو وجود ادارة عقلانية تتعامل مع المعطيات بواقعية وادراك, فهذا يعطي الثقة بالاقتصاد, والتي هي الآن اهم عنصر لتعزيز الاستقرار المالي في اي اقتصاد يسعى جاهدا لتحقيق النمو ومواجهة تداعيات الازمة المالية, والحكومة ما زالت تحسن صنعا في ادارتها للشأن الاقتصادي باستثناء ادارتها للدين العام الذي سنتحدث عنه بالتفصيل لاحقا.0
salamah.darawi@gmail.com