على مقربة من الذكرى العاشرة لتولي جلالة الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم، يرنو الأردنيون أن تتخطى المناسبة الجانب الاحتفالي، وأن تذهب باتجاه قراءة دلالات الولوج نحو العشرية الثانية في حكم الملك.
وفي أفق التطلعات الوطنية تزدحم الأمنيات بأن تخلو أيام الأردنيين المقبلة من الحديث المتكاثر عن الفساد والمفسدين، وهو حديث يصطبغ بالمبالغات التي لا تعدم جذرا حقيقيا على أرض الواقع التي أضحت منجما لأولئك الطامحين في الغنى السريع حتى لو كان من المال العام.
وفي الأفق ذاته، يظل القلب منفطرا وهو يراقب تداعيات المشهد السياسي في شقيه الحكومي والشعبي، وهو مشهد لا يسر البال أبدا، فالنخبة السياسية لا تملك مشروعا، والمعارضة تتسلق على حبال الحس الشعبي اللحظي، ولا تخلو أجندتها من الانتهازية السياسية التي تتجلى على نحو مستهجن في المنعطفات الحادة التي تستلزم إحكام العقل لا إعلاء الصوت بالزبد والرغاء.
وأما البرلمان، فقد جاءت استطلاعات الرأي لتؤكد من غير لبس أن الثقة الشعبية به وبممثليه متآكلة، وأن 23% من المواطنين يؤيدون حل مجلس النواب الحالي قبل إكمال ولايته الدستورية.
وإذا شاء امرؤ أن يصف الحياة السياسية الأردنية، فإنه سيسمها، بلا ريب، بالضبابية وانعدام الرؤية وغياب التفكير الاستراتيجي الخلاّق. وقل أن تجد سياسيا أردنيا يجمع المراقبون على منحه صفة مفكر سياسي أو محلل استراتيجي، وفي هذا تعبير بالغ الدلالة عن رخاوة الأرض التي يقف السياسيون عليها، فأعينهم ترقب الموقع الرسمي وتخشى الاصطدام بسياسة الأمر الواقع، ما يجعل الحياة السياسية تصاب بالكساح، وما يوفر للإشاعة بيئة خصبة مليئة بالفخاخ واغتيال الشخصيات والأفكار والمشاريع.
وما أكثر الشكائين في الأردن، وما أقلّ الشاكرين القانعين الحامدين نعماء الدولة رغم شح الموارد وقيظ الصحراء. ثمة المتبرمون المتذمرون الغارقون في لجة المشاعر العدمية، المشككون في النوايا، وبخاصة الحكومية وما جاورها، مهما كانت صادقة وباعثة على التفاؤل.
ولئن كان لهؤلاء بعض الحق فيما يذهبون إليه من امتطاء الأفكار السوداء بسبب إخفاق الحالة السياسية في تقديم النموذج المقنع في الإدارة العامة، فإن المبالغة في الانتقاد تغلق الآفاق وتجعل الحياة مرئية فقط بنظارات قاتمة.
وما كان للملك أن يتخفى مرة تلو الأخرى إلا ليقينه أن الأحوال ليست على ما يرام، وأن تدخله الشخصي ضروري من أجل إنقاذ أولئك المطرودين من جنة النعيم المالي الوارفة الظلال.
ولو أن الملك يحضر متخفيا مجالس الغيبة في الصالونات السياسية لهاله ما يسمع وما يرى، ولألفى طبقة النخبة غارقة في تناقضاتها وانفصاماتها، وهي التي يتعين أن تكون سند الحكم وأدوات استشعاره ودليله إلى مجابهة الأزمات.
إن هذه المخرجات في مجملها تعبير عن أزمة عمودية في الأجنحة السياسية الفاعلة في الدولة وفي المجتمع. وهي أزمة تنتج كل حين أفكارا تذوّب الإيمان وتفتت اليقين بالمستقبل وتقتل الابتكار والمبادرة.
ثمة ضرورة للبحث عن طبقة جديدة من السياسيين والأكاديميين والمخططين الاستراتيجيين والإعلاميين الذين يمتلكون قوة الخلق والتجديد، وإنتاج صورة الدولة العصرية بأدوات تقطع الصلة بالماضي، وتنتسب إلى فضاءات التنوير والإصلاح والحداثة.
ثمة باختصار حاجة إلى ثورة بيضاء تحمل الأردن على جناح العشرية الثانية مسيجا برؤى الملايين الطيبين الذين ينشدون وطنا يتسع لكل أبنائه، ويرعى ورود الأمل في أياديهم.
m.barhouma@alghad.jo
** الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الغد ..