ليس خوفا على الأردن من أي تصريحات أو تصويت في كنيست العدو الصهيوني، لكنه احترام للذات والموقف القوي الذي يجب ان يلاقيه كل من يسيء للأردن. فنحن أقمنا الدنيا وأقعدناها رسميا وشعبيا عندما كانت الاساءة من محمد هيكل بحق الأردن، لكن ما تقوم به جهات صهيونية رسمية في الكنيست الصهيوني لا يقارن به حديث هيكل.
الفعل الضعيف كان من الحكومة التي اكتفت حتى الآن باستدعاء وزير الخارجية لسفير العدو الصهيوني، ولم نسمع شيئا آخر، الا تصريحا محليا عاديا من وزير الاتصال.
حتى رئيس الحكومة الذي التقى قبل ايام (وربما في يوم تصويت الكنيست على اعتبار الاردن دولة للفلسطينيين) رؤساء التحرير فإنه خرج على التلفزيون من اللقاء بحديث عن موعد بعد اكثر من شهرين لبدء توزيع اموال البورصات، وهو موضوع محلي مهم، لكن كان يجب ان يتحدث في اللقاء ذاته او بعده عن موقف الدولة من الاستفزاز والاساءة الصهيونية للدولة الاردنية.
هذا ملف وطني كبير كان يجب أن يتحدث به الرئيس ليشعر المواطن أن أمامه حكومة قوية لا تكتفي باستدعاء سفير، بل ترد الاساءة بموقف سياسي قوي ومناسب، الا اذا كانت الحكومة ترى ان تصويت الكنيست على قرار يعتبر الاردن دولة للفلسطينيين امر لا يستحق الرد.
أذكّر الحكومة ان الكنيست وافق بأغلبية كبيرة، أي معظم الاعضاء، على قرار النظر في تلك المسألة، وهذا يعني موقفا سياسيا، حتى لو كان حركة اعلامية او ابتزازا.
صمت الحكومة، هنا، ليس من قبيل الصمت الذي يُوزن بالذهب، بل صمت يعبر عن غياب المبادرة والفعل السياسي. فالصهاينة لم يراعوا وجود معاهدة سلام، ولا علاقات متعددة، بل اساءوا للدولة الاردنية وهويتها. فهي قضية سياسية بامتياز، وتجاهلها يترك آثارا سلبية داخلية، فالناس تستغرب ضعف الرد والصوت الخجول من الحكومة.
على الحكومة صاحبة الولاية على الشأن العام أن تدرك أن جزءا رئيسا من العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين هو المحافظة على هوية الدولة. وأي ضعف في الحفاظ على هذه الهوية يعني الكثير للأردني.
الدولة وهويتها السياسية والوطنية ليست محل مناورة، بل ذلك أمر لا يحتمل الأداء المتردد أو تمرير المراحل والاجراءات التي تخل به، وهو بالنسبة للأردنيين أهم من الخطط الاقتصادية والاصلاح السياسي والاجتماعي وكل الجزئيات، لأن كل ذلك لا قيمة له اذا كانت هوية الدولة محل جدل او تهديد.
آن الأوان لردٍّ عملي حكيم وهادئ على كل السياسات الصهيونية بأن نتبنى جميعا (وأقصد بكلمة جميعاً كل حملة الجنسية الأردنية) مشروعا سياسيا وطنيا هدفه الأساسي الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية وهوية الدولة الأردنية في مواجهة السياسية الصهيونية. وهذا المشروع ليس لإثارة جدل أردني داخلي بين الأصول والمنابت، بل مشروع وحدة على مواجهة عدو مشترك وحماية للهويتين الاردنية والفلسطينية على حد سواء، لأن تذويب الهوية الفلسطينية لأي فلسطيني في الضفة او الاردن يعني اعتداءً على الهوية الاردنية.
نحتاج إلى مشروع سياسي وطني يجمع ولا يفرق نشارك به جميعا، أردنيين وفلسطينيين، لنحمي وندافع عن نقاء الهوية للدولة، وايضا للشعب الفلسطيني ولدولته المأمولة في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يعمل لنقاء كيان الاحتلال كدولة يهودية.
sameeh.almaitah@alghad.jo