لا يزال مقعد الرئاسة في الجامعة الاردنية شاغرا منذ اكثر من شهرين بانتظار ان يحسم مجلس التعليم العالي اليوم «النقاش» حول الموضوع الذي تحول الى ساحة للردود والانتقادات بين الاطراف المعنية، سواء داخل الجامعة او خارجها.
سيصاب القارىء الكريم بالحيرة اذا استعرضت هنا تفاصيل ما حدث، ابتداء من ترشيح الاسماء واعتماد معايير اختيارها الى انسحاب احد المرشحين والاختلاف حول قبولها ثم التهديد برفضها وصولا الى تقرير لجنة التعليم العالي ورد مجلس امناء الجامعة عليها، وليس انتهاء بما اصدره اساتذة داخل الجامعة من بيانات انتقدت معايير الاختيار وآليات التعيين.
ايضا، لا اريد ان اخوض في الكيفية التي يصل فيها رؤساء الجامعات الى « كراسيهم» فقد اصبحت معروفة تماما، يمكن ان استدرك هنا فيما جرى اخيرا من تعديل على الالية، حيث اسند لمجلس الامناء اختيار وتنسيب الاسماء لمجلس التعليم العالي الذي بدوره سيقرر اسم المرشح «الفائز !»، هنا يكفي فقط ان اشير الى ان ما حدث لا يختلف من حيث المبدأ والنتيجة عما كان معهودا، قبل عدة اعوام (على سبيل المثال ) طرح رئيس مجلس التعليم العالي مبادرة الترشح على شواغر الرئاسات في جامعتين رسميتين، وقتها ترشح نحو ثلاثين استاذا ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط المطلوبة، وفعلاً تم اختيار عدة أسماء وجرى تنسيبها الى الحكومة، لكن المفاجأة ان اللذين اختيرا لم يكونا ضمن الأسماء المنسب فيها، ولم يعتذر أحد من الآخرين الذين تم استبعادهم لأسباب غير مفهومة.
قصة التعيين في الجامعات، سواء للرؤساء او للهيئات التدريسة اصبحث مثيرة للتندر والسخرية، كما ان الدعوة لاصلاح التعليم الجامعي اصبحت ممللة وربما مستنكرة من قبل البعض ( اتذكر هنا ان احد رؤساء الوزارات السابقين استنكر بشدة مداخلة لي حول اولوية اصلاح الجامعات واعتبر هذا الملف هامشيا : اي والله)، لكن السؤال الذي يبقى قائما ولا يستطيع ان ينكره احد هو : لماذا تراجع اداء جامعاتنا، وانحدر مستوى التعليم الذي يتلقاه ابناؤنا، وهرب المئات من الكفاءات العملية منها الى البلدان المجاورة، لماذا فشل معظمها في الحصول على مراتب متقدمة في قوائم افضل الجامعات العالمية، وقل انتاجها في «البحث» والتطوير، لماذا انعزلت عن محيطها الاجتماعي، وغابت الحريات الاكاديمية فيها.. ؟
الاجابة السريعة التي يمكن ان اطرحها للقارىء هنا ( دون الاستعانة بأي صديق) : ما عليك إلا أن تدقق في عملية «التعيين» التي يتم بموجبها اختيار الرئاسات واعضاء هيئة التدريس، والعلاقة القائمة بين الإدارات وهذه الهيئات والطلبة ايضا.. وعندها ستكتشف أن الخلل في المقدمات يقود الى «نتائج» مفزعة.. بعضها يطفو على السطح ونراه، واخرى تتغلغل داخل الأسوار التي لا تزال مغلقة.
اذا، ما الذي يمنع من «انتخاب» رئيس الجامعة؟ ولماذا يجري تدوير الرئاسات بين أشخاص بعدد أصابع اليد الواحدة، ولماذا تبقى جامعاتنا أسيرة لعملية «التعيين» التي تتم بلا شروط ولا ضوابط ولا محاسبات ايضا؟
باختصار، الخطوة الأولى لإصلاح جامعاتنا هي ضبط «الاختيار» سواء لرئاساتها أو لأعضاء هيئاتها التدريسية أو للعاملين فيها، يمكن أن نبدأ بالرئاسات من خلال إصدار نظام يحدد «انتخاب» الرئيس من قبل عمداء الكليات، ثم بنظام يحدد اختيار العمداء من خلال اعضاء هيئة التدريس في كل كلية، ثم بنظام يحدد شروطاً واضحة لاختيار الاساتذة..
وهكذا، على ان يكون كل ذلك داخل الجامعة، وهذا هو المعنى الحقيقي لاستقلالية الجامعات، بعد أن جربنا ما فعلته بنا مقررات مجالس التعليم العليا، و وزارات التعليم العالي وغيرها من الجهات.
الدستور