في مصر، تجد الاطباء، وخصوصا، اولئك الذين لم يتخصصوا،اي الذين درسوا الطب العام، بلا عمل، وليس غريبا، ان يكون بينهم الالاف ممن يجلسون في البيوت والمقاهي، لان الوظائف المتاحة محدودة، ولان مشوار الاختصاص، ليس سهلا، ويعد مكلفا من الناحية المالية، ومن حيث الوقت.
العقدة التي تحكمنا جميعا، حول التعليم، نعززها في الابناء منذ الصغر، واذا اجريت استفتاءً، بين الطلبة في الابتدائي، عما يريدونه حين يكبرون، تجد غالبيتهم يردون بالقول، اما طبيبا او مهندسا، او صيدلانيا، او طياراً، وندر ما تجد اهتماما او تعزيزا للاهتمام نحو تخصصات اخرى، ولا تزال الذهنية الاجتماعية محكومة للالقاب، من دكتور الى مهندس، وصولا الى دكتور بمعنى الصيدلاني، وغيرها.
لكن لسوق العمل لغة اخرى لا تفهم العواطف، اذ بيننا اليوم اعداد كبيرة من خريجي الطب والهندسة والصيدلة بلا عمل، وغيرهم ، وهذا امر تعرفه النقابات المهنية، وفي حالات كثيرة، نجد بعض هؤلاء يعملون برواتب منخفضة جدا، لا تليق حتى باللقب، ولا بالعمر الذي افناه المرء في الدراسة.
هذه الاختلالات خطيرة، فهي تصب ايضا، في اطار البطالة في بقية التخصصات، واذا عدنا الى الارقام، سوف نكتشف ان لدينا مئات الاف الخريجين من مختلف التخصصات بلا عمل، ولا نرى اي جهد رسمي لتصحيح هذا الاختلال، بذريعة ان هذه حريات شخصية، ولكل انسان الحق في اختيار تخصصه، وهذا كلام صحيح من حيث المبدأ.
كيف يمكن ان نتخلص من العقدة الاجتماعية بشأن الشهادة الجامعية، وماهيتها، ونحن نرى ان المجتمع يميل الى المظاهر والاستعراض، حتى لو كانت النتيجة خاسرة اقتصاديا، بمعنى ان كلفة البكالوريوس في اي تخصص، لا تتم استعادتها ماليا، ولا استعادة ربعها في حالات كثيرة، لكن كل هذا يهون في عقليتنا امام تغطية النقص امام الاخرين بالحديث عن بكالوريوس في هذا التخصص او ذاك.
لا يمكن ان يبقى واقع التعليم العالي بهذا الشكل، فأين الحكومة الحالية، وسابقاتها، ولاحقاتها، عن واقع التعليم، ومستواه، وقدرته التنافسية التي انخفضت ايضا الى حد كبير، ولو كانت هناك مصارحة لقيل ان البكالوريوس في الاردن، لم يعد منافسا على قوائم العمل في العالم العربي، ولا العالم، هذا فوق وجود عشرات التخصصات التي بحاجة الى اغلاق كلي، بسبب عدم الجدوى، وعدم وجود فرص عمل.
لابد ان يتزامن مع اعلان نتائج الثانوية العامة، والقبول في الجامعات كل عام، اعلان عن واقع الخريجين، اذ نريد احصائية رسمية بالتعاون مع النقابات لنعرف عدد الخريجين وعدد العاطلين، وافاق كل تخصص في الاردن، وخارجه، بدلا من الانتحار اليومي، بذهاب الطلبة الى تخصصات، لا جدوى منها اساسا، ولا مستقبل لها، والادلة على ذلك كثيرة.
في بعض الدول الغربية، بات التشغيل يعتمد على الدبلوم القصير لستة اشهر، او عام، فلماذا تعين شركة سياحية، شابا يختص بالسياحة او الاثار او الفندقة، مثلا، ويدرس لاربع سنوات، ويريد اجرا مرتفعا، وهي بامكانها ان تعين شابا درس دبلوما قصيرا، في نفس التخصص، فتدربه وتؤهله تدريجيا، ليكتسب ذات خبرة الجامعيين، وربما اكثر؟.
في كل الاحوال فإن الذهنية الاجتماعية يجب ان تفكر بطريقة مختلفة، اذ ما نفع ان يكون الابن قد حصل على بكالوريوس طب او هندسة او صيدلة او قانون او صحافة، او اي تخصص آخر، وكل الارقام في السوق تعانده وتقول له ان لا مستقبل لك ابدا، وفي احسن الحالات وظائف برواتب منخفضة، لا تكفي صاحبها، اجر مواصلاته ومصاريفه
اليوميةّ؟.
هذا جرس انذار، سبقه الف جرس انذار، فعلى الحكومات أن تسمع، وعلى المواطنين ان يصدقوا ان الدنيا قد تغيرت الى حد كبير، فلا تلوموا احدا حين يصطدم الخريج بالواقع الصعب، فهذا حصاد اختياراتنا، قبل كل شيء آخر.
الدستور