بين إيثار أهل الهمة وجرس انذار مزاج الشباب
رنا الصباغ
31-05-2009 04:31 AM
رغم انغماس غالبية الأردنيين في همومهم وتفاصيل حياتهم اليومية, كشفت مبادرة وطنية برعاية ملكية جيشا من فاعلي الخير عملوا في الظل على مستوى الوطن لكنهم شكلوا قدوة في محيطهم المباشر لأنهم يعطون من صحنهم ووقتهم ليشاركوا غيرهم همومهم بتفاؤل.
مبادرة أهل الهمة التي اطلقتها الملكة رانيا بمناسبة الذكرى العاشرة لتولي الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية, سلطت الضوء على الوجه الانساني المشرق للمجتمع, بعكس نتائج دراسة مسحية بين الشباب أظهرت ان أمور الوطن ليست بخير بدءا بسؤال الانتماء والهوية وانتهاء بإزدواجية القيم والتصورات والاتجاهات.
أهل الهمّة أضاءت قمم جبال جليدية ناصعة تقف خلفها كنوز بشرية أصرت على النظر أبعد من دائرتها الشخصية الضيقة, مسترجعة التكافل الاجتماعي في زمن العولمة والتنافس الحاد الذي أفقد الانسانية الكثير من معانيها السامية. لإنجازات ونشاطات مؤثرة أبطالها آلاف الافراد والجماعات ألهموا آخرين بعطائهم الطوعي وساعدوا على إدامة شريان الحياة لفئات تهمشت بفعل الفقر والمرض.
فئة غائبة عن الأضواء تعمل بدافع ذاتي وبدون ضجيج إعلامي لتصبح قدوة لغيرها. هم الوجه العصامي للمجتمع الاردني ورأس ماله الانساني.
الملكة أقرت أنها لم تكن تتوقع حجم ردود الفعل حين أعلنت عن المبادرة قبل شهرين. في ذلك الوقت, شكلت لجنة حيادية ذات كفاءة وخبرة لاختيار ثلاثين مرشحا عبر التصويت المجاني, ثم اختزل الترشيح إلى عشرة فائزين سيتم تكريمهم في احتفال وطني الشهر المقبل. في الإجمال, تلقت اللجنة 45 ألفا و500 طلب, على ما ذكرت الملكة أخيرا. ومع حذف الطلبات المتكررة وصل عدد المرشحين الى نحو أربعة آلاف.
قبل أيام شرعت وسائل الاعلام الرسمية والخاصة بنشر قصص المرشحين النهائيين لتكشف حجم التغيير الايجابي الذي أحدثه المتطوعون في التعامل مع حاجة مجتمعية بطريقة متميزة خارج النطاق الوظيفي.
أبطال أختارهم آخرون ممن يحملون نفس القيم والمبادئ في محيطهم المباشر الممتد من بوادي ومخيمات المملكة إلى قراها ومدنها. قصص تحاكي المجتمع وافراده باختلاف طبقاته الاجتماعية وتظهر عمق مواطنتهم وفعاليتها, بطرق بسيطة قابلة للتعميم وقادرة على حفز أفراد مجتمع غالبيتهم يشعرون بالإحباط بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي الضاغط وغياب أفق سياسي للقضية الفلسطينية.
بعض هؤلاء النشطاء جعل من تجربته الشخصية أو مع مقربين منه دافعا - بل ربما هاجسا - لتوفير حياة أفضل في محيطه. من بين أهل الهمّة الطالب الجامعي سويلم الريحاني الذي تعافى من سرطان الدم وأسس شبكة متطوعين لمساندة المصابين بهذا الداء; وراغده عودة, التي أسست حدائق الكمال في حديقة منزلها لتشغيل أصحاب الاحتياجات الخاصة في الزراعة, بعد أن عاشت وأهلها معاناة أخيها الذي يعاني من متلازمة الداون.
منهم أيضا من لم يكن دافعه تجربة شخصية, بل مسؤولية جعلها شخصية مثل جمال هلال القطيفان الذي أراد أن يوفر لأبناء بلدته الياهون خدمات التعليم والصحة التي سبقهم إليها أبناؤه. وهكذا بنى مدرستين, واحدة للذكور والأخرى للاناث, مسجدا ومركزا صحيا على أراض تبرع فيها من ورثته الخاصة على أمل تغيير حياة ما يقارب المئة عائلة ويبني جيلا سوف يحمل الراية.
منهم من جعل من حبه وشغفه بمهنته وتفانيه في تعليمها وسيلة لتمكين مجتمعه المحلي مثل مدرب الكاراتيه الكابتن حسام عياد الذي درّب أول شاب يحصل على الحزام الأسود في العالم من ذوي الاحتياجات الخاصة. عياد يكرس نصف يومه تقريبا على مدار خمسة أيام في الاسبوع لتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة, وقد درب حتى اليوم حوالي الف شخص.
الملفت أن غالبية مرشحي أهل الهمة لا ينتمون الى الأطر التقليدية السائدة في عمل الخير; نخب سياسية واقتصادية مؤثرة تتحرك من خلال مواقعها. كما أنهم لا يمتلكون دائما رأس مال فائضا.
rana.sabbagh@alarabalyawm.net