أعلنت الحكومة، أمس، جدولا بإنجازاتها خلال السبعين يوما التي انقضت من مهلة المائة يوم الأولى من عمرها "المديد". الحكومة منحت لنفسها علامة 62 % كنسبة نجاح، مع وعد بتحقيق العلامة الكاملة بعد شهر من تاريخه.
ردود الفعل الأولية على الإعلان الحكومي الذي استبق نهاية المهلة، بدا مزيجا من التقدير لالتزام الحكومة بوعودها، والتقليل من قيمة الإنجازات مع "لازمة" لا تفارق تعليقات الأردنيين سمتها الأساسية السخرية والتهكم.
في اعتقادي الشخصي، الإنجازات متواضعة فعلا، فهي لا تتعدى قرارات وإجراءات وزارية، لا يتطلب تحقيقها جهودا كبيرة أو مددا زمنيا طويلة، يضاف إليها أوراق عمل وسياسات تحمل أفكارا جيدة للمرحلة المقبلة.
هل كان بمقدور الحكومة أن تنجز أكثر من ذلك في سبعين يوما؟
قبل أن نجيب، علينا أن نحصي المواعيد المبرمجة والطارئة خلال تلك المدة، فمن تكليف إلى تشكيل، وما بينهما من مداخلات جراحية عاجلة لتفكيك أزمات سابقة، وصولا إلى محطة المشاورات النيابية قبل طلب ثقة النواب، ثم أسبوع طويل من المناقشات البرلمانية تحت القبة، ومن بعد ذلك كله أحداث طارئة تطلبت انشغالا دائما من طاقم الحكومة الرئيسي كان آخرها عملية السلط الإرهابية وتفجير الفحيص من قبل، وأخيرا عطلة امتدت لأسبوع كامل.
لكن في المقابل يسأل مواطن، من ضرب الحكومة على يدها كي تلزم نفسها بكمشة وعود في المائة يوم الأولى، وهي تعلم أن الوقت ضيق ولن يسعفها لمجاراة التوقعات في الشارع؟
هنا تكمن الإشكالية من وجهة نظر الكثيرين. كتبت في السابق أن مهلة المائة يوم مجرد بدعة، تصلح لاستطلاعات الرأي كوسيلة لقياس انطباعات الناس عن الحكومة، لكنها ليست أداة علمية أو عملية لتقدير حجم الإنجازات.
الحكومة ارتكبت خطأ ثانيا عندما أطلقت على أجندة وعود المائة يوم وصف الإنجازات، وفي ذهن الناس مفهوم مغاير لهذا الوصف، يرتبط حصرا بنتائج تتحقق بشكل ملموس في جوانب حياتهم المختلفة، يمكن رصدها بالمعاينة المجردة.
وهذا النوع من الإنجازات يستحيل تحقيقه ليس في المائة يوم الأولى فحسب، بل في ضعفها من الأيام، خاصة في حالتنا الأردنية، من حيث طبيعة المشكلات التي تشكل أولويات للمواطنين كالبطالة وغلاء المعيشة ومكافحة الفساد وسواها من التحديات المزمنة.
الإنجازات لا يمكن تلمسها إلا بعد انقضاء سنة مالية كاملة. والحكومة جاءت في منتصف عام مالي، ولم يكن أمامها هامش كبير للتحرك خارج حدود وأرقام الموازنة المقرة سلفا. ومهما فعلت لن تستطيع القفز عن العمليات الإجرائية والقانونية المرتبطة بالإنفاق على المشاريع المقرة في الموازنة أو استبدالها، أو تغيير الحقائق الصعبة في المجال الاقتصادي.
المؤسف حقا أن الحكومة وضعت نفسها في موقف محرج كانت في غنى عنه. مرة أخرى علينا أن نتذكر أن عمل الحكومات لا يخضع لشعار ما يطلبه الجمهور، فما من حكومة في الدنيا تستطيع تحقيق رغبات مواطنيها بجرة قلم أو بحسبة الأيام.
كان من الأجدى القول إن الحكومة جاءت على وقع أزمة اقتصادية اجتماعية، وتعاملت خلال الشهرين الأولين من عهدها مع قضايا ملحة لتسوية حالة الاحتقان الاجتماعي، وطرحت برنامجا نالت على أساسه ثقة النواب، وأمامها فترة لا تزيد على العامين ستترجمها ببرامج مرتبطة بالموارد المتاحة، وحزمة إصلاحات اقتصادية وسياسية لتطوير النهج العام في البلاد.
أكثر من ذلك سيكون مجرد كلام في الهواء يرتد خيبة وإحباطا في الشارع.
الغد