لم تكن فكرة موفقة من حيث المبدأ، ليست واقعية ولا مقنعة وجاءت مناقضة للصورة التي كونها الرأي العام عن الرئيس، وهي الصدقية والبساطة والجدية. أتحدث عن النسب المئوية للإنجاز التي أعلنت عنها الحكومة، فهي فذلكة شكلانية وتقليد ليس وقته وتعيد من حيث الشكل التذكير بممارسات تلفيقية سابقة. وكما رأيت فقد كانت محل سخرية وتعليقات لاذعة.
بعض ما سجل كإنجاز بنسبة 100 % مثل إعلان آلية تسعير المشتقات النفطية ليس إنجازا أبدا، بل إنه مأخذ كبير على الحكومة؛ إذ قدمت الآلية نفسها التي أعلنتها حكومات سابقة منذ ثلاثة أعوام، وهي آلية افتراضية من الألف الى الياء تعتمد سعر المشتقات النفطية في مركز التوريد (سنغافورة) وتضيف عليها النفقات المفترضة مثل النقل البحري ثم البري ثم نسب التبخر وأجور التخزين..الخ، ثم الرسوم وضرائب الحكومة، وأخيرا نسب الربح لمحطات التوزيع. وما يحدث على الأرض أن معظم استهلاكنا من المشتقات هو من مصفاة البترول نستورد لها النفط الخام وغالبا من السعودية، وهذه العملية تفتقر للشفافية وتدور حولها إشاعات رهيبة تسمم الثقة، ولم تنجح الحكومات أبدا في وضعها تحت الضوء وجعلها مكشوفة وشفافة من الألف الى الياء، وهذا ما كان وما يزال يتوجب على الحكومة الحالية أن تفعله؛ أي أن تقول كل مرة وفي حينه كم استوردت وبأي سعر وكيف تحسب السعر على المصفاة وكيف تحسب ربحها؛ أي أن تقدم لنا حسابات العملية الفعلية التي تجري على الأرض، هذا مع اعتقادي أن تحرير تجارة النفط والمشتقات النفطية نهائيا هو الحل، ونحن نضرب دائما لبنان مثلا، فهو لا يكرر النفط محليا وتجارة المشتقات النفطية حرة، ومع ذلك الأسعار أرخص من الأسعار في الأردن، ويمكن على كل حال من باب الاحتياط فرض سقف سعري لمنع الاستغلال.
ولنعد الى موضوعنا، فقد أعلنت الحكومة أنها أنجزت نسبة 62,5 % من تعهداتها لأول مائة يوم من عمرها، أو عشرة من أصل ستة عشر تعهدا قطعته على نفسها. هي لم تستبق الزمن، فقد مر 70 يوما؛ أي 70 % من المهلة مقابل 62.5 % من الإنجاز، لكن هذا كله انزياح لمقارنة رقمية شكلية وقسرية غير ذات صلة. ومن بين التعهدات العشرة التي اعتبرت منجزة قرار تخفيض 150 مليونا من النفقات، لكن هذا قرار تم اتخاذه وليس إنجازا تحقق؛ إذ يتوجب أن نرى في نهاية العام أن الحكومة قد خفضت فعليا 150 مليون دينار من أصل النفقات المرصودة في الموازنة. أما تقاعد الوزراء فما يزال وعدا لأن الإنجاز هو بتقديم مشروع قانون تقاعد جديد. بالمقابل أنجزت الحكومة نسبة اقتطاع 10 % من رواتب الوزراء؛ أي عادت لما فعلته الحكومة السابقة، وهذا مأخذ على الحكومة، فقد فوتت فرصة لإظهار نفسها بصورة باهرة كحكومة مختلفة تمارس التقشف على نفسها بالعزيمة والإخلاص نفسيهما اللذين رأيناهما في بلدان أخرى، فالاقتطاع هو 10 % من الراتب الأصلي، وليس هناك أي إشارة الى المنحة الإضافية الشهرية، وهي أعلى من الراتب نفسه، وكان الأصح الاستغناء عنها كليا. والعودة الى الإعفاء على سيارات الهايبرد كان نصف إنجاز خيب الآمال لأن الأمل كان بالعودة للإعفاء الكامل. وبعض ما سجل كإنجازات هو نوايا وتوجهات لإعادة النظر في أنظمة وتشريعات لا نعرف على ماذا ستستقر. نفضل لو انتظرت الحكومة مهلة المائة يوم وهي على كل حال فترة قصيرة جدا. وما ننتظره فقط إشارات قوية وصادقة تنبئ عن نهج مختلف.
الغد