إن الثقة علاقة متبادلة بين طرفين تبنى مع مرور الزمن ، وهي تمثل المصداقية والنزاهة العالية والالتزام بالأخلاقيات والقوانين المستمدة من الدساتير، وبما يحقق العدالة والمساواة والانتماء والنماء للوطن والحياة الكريمة للمواطن، فيكون نتاجا لذلك الإخلاص والانتماء والشعور بالرضا بين الطرفين.
إن الثقة تتعزز بين المواطن الأردني ومؤسساته الوطنية إذ انطلقت من المفهوم الواسع لمعنى الثقة المتبادلة، وهذه الثقة يجب أن تكون كاملة ومتكاملة حتى تستطيع مؤسسات الوطن أن تقوم بدورها ورسالتها بالشكل الأمثل، ومع أن الأصل في الثقة أن تكون تبادلية بين المواطن والوطن من جهة ، وبين الوطن والمواطن من جهة أخرى؛ إلا أن ثقة المواطن بوطنه هي الأهم لأنها حتما ستنعكس إيجابا على الوطن.
ولبيان مدى ثقة المواطن بوطنه ومؤسساته وبما يقوم عليها من أفراد لابد من معرفة حجم تلك الثقة وإطارها، فكيف يستطيع المعلم والأستاذ الجامعي والقاضي والنائب ورجل الدين ورجل الأجهزة الأمنية والحكومة ورجل الأعمال إقناع المواطن أن الوطن هو وطن وأنه للجميع؛ فالمعلم يحاول إقناع تلاميذه بحب الوطن، والأستاذ الجامعي يحاول إقناع طلابه بالانتماء والنماء والإنجاز، ورجل الدين يحاول إقناع المواطنين بأن الدين حق، وأنه أخلاق وسلوك ومعاملة وعبادة، ورجل المخابرات يحاول إقناع الخارجين عن القانون بأن خروجهم محرّم ومجرّم دينيا وأخلاقيا - وطنيا ودوليا وأنه يزعزع أمن الوطن، والضابط يحاول إقناع جنوده أن الوطن غالي وأن الذود عنه واجب مقدس، وأن الأرض والعرض متساويان ،ورجل الأعمال يحاول إقناع المواطنين بأنهم سواسية ولا تمييز بينهم إلا بالكفاءة والقدرة على الإنتاج، وضابط الشرطة يحاول إقناع أصحاب السوابق واللصوص و أن جرائمهم تعدي على أبناء وطنهم و وطنهم، والحكومة تحاول إقناع المواطنين بصدق نواياها، وأن قراراتها وطنية ومقنعة، وهكذا القاضي والنائب والمدير كل حسب رسالته ودوره.
قد تجد الفئات أعلاه صعوبة ومعاناة في إيصال رسالتها وقيامها بدورها وواجباتها على أكمل وجه، وقد تحقق نتائج محدودة، ولعل من أهم الأسباب التي تحول دون ذلك الثقة بين المواطن ومؤسساته، بل الأصعب من ذلك أن العديد من تلك الفئات الصادقة التي تودّ القيام بواجبها بالشكل الأمثل والصحيح تواجه بوابل اسئلة من المتلقين تتعلق بالفساد ومخالفة القوانين وغياب العدالة والمساواة، وانخفاض الروح المعنوية، وهذا ما يصعب مهمتها في اقناع المواطن بأن الامور على ما يرام وانها مبشرة ، وتلمس منه عدم الأكتراث والاهتمام والتصديق فيما تطرح عليه من أخلاق وقيم وسلوك تتعلق بحب الوطن والانتماء إليه.
لقد أطلق رئيس الوزراء عند تشكيل حكومته مصطلح العقد الاجتماعي الجديد بين الحكومة والمواطنين لتعزيز الثقة بينهما، وسرعان ما دلت الأحداث على وأده قبل أن يرى النور من خلال تشكيلة الحكومة اولا وبعض قراراتها او قرارات المؤسسات التابعة لها، والتي اثارت استياء المواطنين وسخريتهم ولسان حالهم يقول إن إكرام الميت دفنه ، مع الإشارة إلى أن العقد الاجتماعي الذي اطلقه رئيس الحكومة كان يفترض به أن يكون بين الدولة والمواطن ، لا بين الحكومة والمواطن ، لأن العديد من أجهزة الدولة تقبع خارج ولاية الحكومة مثل الديوان الملكي والأجهزة الأمنية ومجلس الأمة والقضاء وعدد من المؤسسات شبه الحكومية، فكان الأفضل أن يطلق العقد الاجتماعي من أعلى مرجعية في الدولة وهو الملك ليكتب له الحياة ويعيد الثقة بين المواطن والوطن، ويشمل الوطن كله بسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية ،وجميع المؤسسات والأجهزة الوطنية،ويحظى بإرادة سياسية قوية تعطيه الزخم والاستمرارية.
لابد من الوقوف على ثقة المواطن الأردني في وطنه ، وهذا يفرض مزيدا من الجهد لتعزيزها سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد وخاصة بعض من المسؤولين الذين تمادوا في تضليل الناس وخداعهم وعدم التزامهم بالشفافية والنزاهة والعدالة والمصداقية ،وحنثهم بقسم المسؤولية وحمل الأمانة، و كثرت أقوالهم وقلت أفعالهم، وجيّروا مؤسسات الوطن لمصالحهم الشخصية وأمزجتهم. وبالتأكيد فإننا نحتاج لدراسات علمية عميقة لنصل إلى حجم الثقة الحقيقية التي يحظى بها الوطن من المواطنين ويتم بعد ذلك وضع الحلول المناسبة الشافية والوافية لتعزيزها ، لأن أكبر خسارة للوطن هي فقدان ثقة أبنائه به.