في مصر هناك إرث تاريخي يعبرّ عنه ابو الهول الحارس لأهرامات الجيزة الصامدة منذ خمسة آلاف عام، ورغم ثلاثة آلاف كيلومتر من الشواطئ الممتدة على أكتاف البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، فلم يقرر المصريون إعدام أبو الهول، في الأردن أيضا تنتصب مدينة البترا وسط الجبال الجرداء كعجوز فائقة الجمال رغم آلاف السنين، ومع ذلك لم تأخذ شواطئ العقبة والبحر ولا فنادقها الحديثة الفخمة من آلق الخزنة العجوز، فآلاف الزائرين من العالم يفضلون الحج الى البترا لا الرقص وجمع المال، وهذا دليل على أن التاريخ يحفظ حقوق رموز الدولة الأولى رغم بهرجة الحداثة الزائفة.
لقد أدركت العصر الذهبي للمغفور له الملك الحسين رحمه االله، وواكبت حكوماته منذ منتصف العقد الثامن للقرن الماضي وتحديدا الرئيس أحمد عبيدات، ثم الرئيسين المخضرمين زيد الرفاعي ومضر بدران اللذين تربعا على شرفة عقد السبعين حتى بداية 1990 الى أن تسنّم عرش الحكم الملك عبداالله الثاني مفتتحا قرنا جديدا بحكومة د. فايز الطراونة الممتدة من نهاية القرن العشرين، الى أن وصلنا اليوم الى حكومة د. عمر الرزاز، وما أسجله عن خطاب الدولة منذ شببت عن الطوق، حتى اليوم، أنه مزامير محفوظة عن توفير الدعم المالي للخزينة العامة، ومكافحة الفقر والبطالة، والتحديات التي تواجه الأردن داخليا وخارجيا، ودعم حل القضية الفلسطينية، وعدم المساس بالعلاقات الأردنية مع الدول الشقيقة والصديقة.
حتى اليوم لم يتغير شيء على الخطاب الرسمي سوى مكافحة الإرهاب والتطرف، ونشوء نظرية مكافحة الفساد الذي ليس للمواطن المكافح أي علاقة به، ولكن نشأ وترعرع واستقوى عود خطاب مواز ٍ يتحدث ويتحدى عمليا لتغيير بنية المجتمع السياسي والأهلي نحو العولمة الفكرية وتغيير السلوك الإجتماعي بتغيير منهجه التاريخي وإلغاء الذاكرة الوطنية بتغيير تراثه الأصيل الذي واكب الدولة منذ نشوئها، حيث حافظت أركان الدولة على ديمومة وجودها بفضل وجود النخب عالية الجودة داخل مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع والمجتمع المالي والإقتصادي أيضا، فكلنا نتذكر وجود طبقة أرستقراطية ليست من أثرياء المال فقط، بل ومن أثرياء الفكر والسياسة.
اليوم بات التيار التغريبي يتسلل لمفاصل الدولة والمجتمع، وليته يسعى للتغيير للافضل الذي نريده فورا، بل سيكون التغيير كارثيا إذا بقيت أبواق الليبرالية الجديدة والكولونيالية المتبرجة تهاجم إرث الدولة الأردنية المحافظة وتطعن في أساس وجود الدولة الإجتماعي والديني والأخلاقي لخدمة التغييرالسياسي الذي قطعت مراكز التأثير الغربية شوطا طويلا في العمل لتفكيك العقل المركزي للدولة الأردنية وترهيبها لنا بأن يوم القيامة على الأبواب إذا لم نغير في مواقفنا الوطنية والقومية تجاه مقدساتنا الوجودية.
إن الحبل المتين بين الشعب و القيادة الرشيدة هو التاريخ النضالي المبني على الحب المتبادل والإحترام المؤسسي لدور النضال الشعبي لحماية هذه الدولة والقيادة، وأسهل طريق لضرب البناء الشامخ هو تسهيل عملية الإستبدال ثم الإحلال ثم الإخلال بالثوابت السياسية والثقافية والدينية من خلال أشخاص يلهثون وراء البهرجة المناصبية، وينسى الجميع أن عمود الخيمة يحتاج دائما الى أوتاد قوية منغرسة في الأرض ومرتبطة بحبال تحافظ على خيمتنا التي يسعى أعداؤنا السياسيون لهدمها وسلب ما تبقى منها.. وللحديث بقية.
Royal430@hotmail.com
الرأي