دعونا، ولو لمرة واحدة، نطرد الطاقة السلبية من حياتنا وننظر من حولنا. هناك في جاكارتا يسطر ثلة من الشباب والشابات الأردنيات قصة فخر تذكرنا جميعا بأننا شعب صاحب شأن مثل سائر الشعوب الناهضة في العالم.
نملك العزيمة والموهبة والرغبة بالتفوق والقدرة على التميز، بلا عقد أو هواجس مريضة أو انطباعات تحط من قدرتنا وكرامتنا يخوض شبان وشابات الأردن المواجهة في حلبات الرياضة من دون شعور بعقدة النقص التي تتملك بعضنا.
تنازل جوليانا الصادق أقرانها في لعبة التايكواندو من دول عملاقة كالصين وتهزمهم وتنال الذهب الخالص. لم تخش الصبية القادمة من بلد لا يزيد عدد سكانه على عدد سكان مدينة صغيرة في الصين نظيرتها صاحبة التاريخ الطويل مع اللعبة، لا بل القادمة من بلد المنشأ للألعاب القتالية.
تقف على منصة التتويج بكبرياء، تنسدل على كتفيها الكوفية الحمراء فخرا وعزا. من منا لم يختنق فرحا من المشهد المهيب، وتسري في عروقه روح الانتصار كما لو أنه الواقف على أعلى مرتبة في المنصة.
رفاق جوليانا لم يكونوا أقل شأنا منها، قاتلوا بشراسة في حلبات التايكواندو والجوجيتسو والكاراتيه، ونالوا ميداليات الشرف؛فضية وبرونزية.
البطل الذهبي أحمد أبوغوش الذي لم يشف بعد من الإصابة ومع ذلك حصد البرونزية. حمزة القطان ورفيقه صالح الشرباتي حصدا ميداليتين في التايكواندو. يارا قاقيش حصدت البرونزية في "الجوجيتسو" ومثلها المقاتل الشجاع زيد حرندوقة.
مشوار الأردنيين في "الآسياد" لم ينته بعد، فما يزال أبطال الكاراتيه معتصم بالله خير وفاطمة الشوابكة وعبدالرحمن المصاطفة وبشار النجار ومحمود السجان، يستعدون لحصد الميداليات بعد أن توج بعضهم من قبل ببطولات سابقة.
خلف الأبطال هؤلاء مدربون رائعون يثقون بشباب البلد وبأنفسهم. يكفي هنا أن نستحضر سيرة صانع الأبطال فارس العساف مدرب منتخب التايكواندو. مدرب شاب يصرع مدربين عالميين، ويخطف منهم الذهب في ريو دي جانيرو عن طريق البطل أحمد أبوغوش.
لم يغب ذلك اليوم عن ذاكرتنا ولن يغيب. العساف يواصل المشوار في جاكارتا ويحصد مع أبطاله الذهب والفضة والبرونز. بماذا يفرق العساف عن سواه من المدربين في العالم الذين تحولوا لأساطير عند شعوبهم؟ لا شيء أبدا هو مثلهم وأزيد. يعمل بإمكانيات أقل بكثير مما يتاح لغيره، وينال التقدير لأيام ثم ننساها، وإذا ما قابلناه في مكان عام لا نكاد نتذكر ملامحه.
الفرق أن شعوب الدول المتقدمة تجعل من أبطالها نجوما في الحياة العامة وترفع من مكانتهم وتمنحهم التقدير والاحترام الدائمين، تتسابق وسائل الإعلام على استضافتهم والساسة على كسب دعمهم في الحملات الانتخابية.
هنا في بلادنا يعود الأبطال أفرادا عاديين في حياتنا، بينما يحظى شخص فار من وجه العدالة كعوني مطيع بسمعة ومكانة لم ينلهما الشرفاء، ويتصدر ساسة فاشلون وخائبون مجالسنا.
تعالوا نصنع الفرق هذه المرة، ونجعل من فارس العساف وأبطاله الرائعين قدوة لشبابنا وأبنائنا، ولنحيط مجتمعنا وبلادنا المعشوقة بقصص النجاح عوضا عن البقاء في دائرة الشكوى والتذمر وقلة الحيلة.
الغد