نعم .. نريد مراقبة نمو الثروة .. !!
د.طلال طلب الشرفات
23-08-2018 10:19 PM
في خضم الحديث الجاد عن تعديل قانون الكسب غير المشروع؛ لوضع أدوات فاعلة ومراقبة نمو الثروة لكل الأشخاص المشمولين بأحكام إشهار الذمة المالية؛ برز انقسام حاد بين معظم النخب الاقتصادية، والسياسية حول مبررات ومشروعية التعديل، وأظهر هذا التباين مدى صعوبة الانتقال الحقيقي إلى الإصلاح الجاد من خلال إثارة مخاوف قد تكون مشروعة، ولكنها غير حقيقية، وسيؤدي لاستدعاء رموز السلطة، ورجال المال والأعمال، وتسييسهما، ليس في الدوار الرابع وحسب، بل وفي أروقة مجلس الوزراء، ومجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب.
الذين يعارضون مراقبة نمو الثروة، ينطلق بعضهم من ضرورة احترام قواعد الملكية الخاصة والتي قام على أساسها المجتمع الرأسمالي وهم على حق كإطار فلسفي مجرد، ولكن إعادة بناء الدولة على أسس أخلاقية فاعلة، وأدوات مقنعة للسواد الأعظم من الناس؛ يتطلب إجراءات قد يرافقها بعض القسوة أحياناً، وقد لا تكون محببة لدى رجال الأعمال على وجه الخصوص في أحايين أخرى، وفي الحالتين فإن القاعدة القانونية هي قاعدة عامة مجردة لا تستهدف أشخاصاً محددين بذواتهم، وإنما أوضاعهم القانونية وواقعهم المعاش.
لأول مرة أتحدث في مسألة مراقبة نمو الثروة، في إطار تحديد مدى المشروعية بهذا الوضوح والصراحة؛ لأنني أدرك تماماً مدى تأثير قوى الشد العكسي الفاعلة في إفشال القرارات الحاسمة الناظمة لمرتكزات الإصلاح الحقيقي، بعيداً عن محاولات إثارة الذعر الوهمي من مخاطر مراقبة نمو الثروة على الاقتصاد الوطني، والاستثمار، والحقيقة المرة التي لا يرغب أحد بالاعتراف بها تكمن في أن الوسائل المنطقية في مراقبة نمو الثروة وبشكل سري لا تغضب احداً إلاّ من يمارس افعالاً قد تسبغ على الثروة بعض مظاهر اللامشروعية.
الفرصة الوحيدة التي يمكن فيها وضع قواعد، وضوابط؛ لمراقبة نمو الثروة، والتأكد من مشروعيتها هي في عهد حكومة الرزاز والسبب أتركه للباحثين والمتابعين للحياة السياسية الأردنية بمظاهرها المختلفة منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، فالحساسية المفرطة لأي اعتداء مباشر، أو غير مباشر على المال العام، والثقة العامة تتوافر في شخص الرئيس وبعض معاونيه، سيما الشفافية الحقيقية تجاه أخلاقيات العمل السياسي، والرقابي والتي تشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الرجل، ومسيرته في العمل العام.
ويمكن لنا أن نقدم اقتراحاً يزيل الكثير من بوادر الفزع، والهلع للمعارضين لمبدأ مراقبة نمو الثروة، وهو أن تكون الرقابة بأثر فوري مباشر دون الرجوع للبحث في أساس الأموال الموجودة حالياً وسياقها التاريخي ومدى مشروعية أساسها وذلك لصعوبة الإثبات من جهة، ولتنظيم أساس معقول للمراقبة وتعزيز إمكانية تمرير مشروع القانون من مجلس الوزراء، ومجلس الامة دون إعاقة، أو ضغط قد يؤدي لفقدان الفرصة نحو تعزيز النزاهة والشفافية وسيادة القانون بتاتاً.
الهيئة المشكّلة وفق أحكام قانون الكسب غير المشروع الحالي؛ لفحص طلبات إشهار الذمة هي غير كافية، وليس لديها أدوات أو وسائل لفحص نمو الثروة، الأمر الذي يلزمنا بالمطالبة بإسناد هذه المهمة الى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، والتي تملك قاعدة معلومات وافية وواقعية للتحرك والفحص، والتدقيق بشرط وضع ضوابط لسرية عمل المراقبة حرصاً على خصوصية الملكية الخاصة ودرءاً لأي فهم خاطئ لأسباب الفحص ومراميه.
نظام الترقيع السياسي والإداري وأسلوب المداراة للأشخاص والقوى أفشل حكومات سابقة، ولا يبني أوطان، وأفقدت كافة المؤسسات ثقة المواطنين، والحل يكمن دوماً في المواجهة القانونية، والمساءلة، وتكريس حرمة المال العام، والثقة العامة. حمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ...!!!