انطلقت إلى اقرب محطة وقود لأروي ظمأ سيارتي التي صامت العشر الأواخر معي وأعلنت أخيرا عبر ضوء البنزين أنها تستنجد بي ... فلم يتبقى لديها ما يمكنها من المسير لامتار معدودة.
كالعادة سألني عامل المحطة: بكام اعبي يا ستي؟
أجبت:فل يا باشا.
لم أعلم ان التعبئة هذه المرة تختلف عن كل سابقاتها وامسكت هاتفي للاتصال على بعض الأصدقاء والتهنئة بقدوم العيد الذي نُزعت منه نكهة السعادة وأضيفت إليه نكهة الغلاء في كل شيء والذل وامتهان الكرامة للمواطن الشريف فقط ... عيد سُلبت منه الفرحة بخبر استشهاد أحمد الزعبي قُبيل آذان المغرب حتى أنني عندما قرأت الخبر على صفحة الصديق الدكتور أحمد الشقران سكبت الحساء الساخن على يدي وغصصت بحبة التمر ساعة الافطار ونسيت الدعاء لنفسي وأنا ادعو للشهيد ... كم دعونا لشهدائنا ودعونا على أعدائنا ولكن العجيب بالموضوع أن الشهداء لازالوا يمضون في تزايد يوما بعد يوم والأعداء يزدادون قوة وتمرُّد وفساد بعد كل دعاء ... أجريت اتصالاتي بالأهل والأصدقاء والأحبة وانا أجامل ودموعي حبيسة الفؤاد أقول بعلو صوتي "كل عام وأنت بخير" مع ضحكة مصطنعة وانا انظر إلى قلبي المنفطر في مرآة العين وأقول لعله آخر عيد حزين وساتفاؤل بالخير علّني اجده ... لا ملابس للعيد ولا رائحة لكعك العيد و لا حتى ابتسامه صادقة وعفوية تستطيع ملامح وجهي التّزين بها...
أنهى عامل المحطة مهمته ودفعت له ثمن الوقود الحقيقي مع ثمن ملابس العيد من خاوة واتاوات ندفعها لا ندري لمن ولكن يقال بأنها لتغطية ثمن تبخر القيم والأخلاق في مجتمع بات به الحليم حيران.
للشهداء الرحمة وللجرحى السلامة وللفاسدين في وطني الخزي والعار