عمون- مراجعة: هاني علي الهندي
عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في الأردن صدر كتاب ( الكويت والفجر الفلسطيني ) للصحفي رجا طلب ويتكون من 175 ورقة من القطع لمتوسط، يتناول فيه الوجود الفلسطيني في الكويت منذ عشرينيات القرن الماضي الى اليوم، وأشار إلى إسهام الفلسطينيون بشكل فعّال بنهضة الكويت وازدهارها في كافة القطاعات الحكومية والخاصة، حيث كان لهم دور بارز في توفير الكوادر الناجحة في الوزارات والمؤسسات الحكومية من معلمين ومهندسين وأطباء وفنيين وغيرهم، ويشير الكتاب إلى ان نسبة المعلمين الفلسطينيين كانت تشكل 49/ في المئة من سنة 1965ـ 1975.
ويتوقف الكاتب عند أبرز المحطات التاريخية في العلاقة الكويتية ـ الفلسطينية الداعمة للثورة فلسطين الكبرى 1936 – 1939 ومراحل اللجوء الفلسطيني إلى الكويت عام 1948، وعام 1967ن مرورا بتأسيس الثورة الفلسطينية عام 1965. كما يشير الكتاب إلى دور سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وتوجيهاته لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة.
أهمّية الكتاب ومنهجيته
أول ما وقع الكتاب بين يديّ كنت أتمنى أن أجد فيه ما أريد ردا على بعض الأبواق الانتهازية، التي تحاول التشكيك في العلاقة الفلسطينية ـ الكويتية بعد حرب الخليج، وبعد انتهائي من القراءة رأيت انه وثيقة تاريخية تكشف حميمية العلاقة الفلسطينية الكويتية منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن، ويسجل مواقف الكويت الشعبية والرسمية ممثلة بأمير البلاد في مناصرة القضية الفلسطينية ودعمها المتواصل للشعب الفلسطيني حتى هذه اللحظة.
ويحمل الكتاب بين دفتيه العرفان بجميل الكويت لما قدمته من دعم للشعب الفلسطيني ونضاله الممتد من بداية القرن العشرين، سواء كان الدعم سياسيا أو ماليا أو تعليميا.
لم يقسم الكاتب كتابه إلى فصول وأبواب كما جرت العادة في تأليف الكتب، وإنما جاء بعناوين مترابطة لو ضممناها إلى بعضها وجدناها تتمحور حول فصل واحد، كأنه يقول أن العلاقة الفلسطينية ـ الكويتية لا يمكن تقسيمها إلى فصول وأبواب.
لم يشر الكاتب إلى مصادر كتابه في ذيل الصفحات أو في آخر الكتاب، وإنما جاءت ضمن متن النص، متنوعة بين الكتب مثل كتاب قصة حياتي من فلسطين إلى الكويت لخير الدين أبو الجبين، أو مقابلات قام بها المؤلف لشخصيات سياسية، وأعداد من الصحف الكويتية، وشهادات وحوارات مع شخصيات عاشت الحدث مثل الكاتب تيسير نظمي والصحفي مصطفى أبو لبدة والرنتيسي وغيرهم، هذه المصادر والشهادات التي استقاها من مصادرها مهمة صادقة وموثوقة تعادل قيمة الوثيقة علميا.
وإذا نظرنا إلى أسلوب الكتاب نراه يتجه بالخطاب إلى عامة المثقفين مبتعدا عن المصطلحات الايدولوجية والديموغوجيا مستخدما لغة أدبية ميسرة لفهم عامة القراء والمهتمِّين.
في مقدمة الكتاب طرح (رجا طلب) سؤلا كبير هو (لماذا الكويت دون غيرها من الدول؟)، فجاءت الإجابة تتمدد على كل صفحات الكتاب من الغلاف إلى الغلاف، يمكن تلخيصها :
أولا ـ جذور العلاقة التاريخية:
كانت المحطة الأولى عام 1921 بزيارة الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى للكويت على رأس وفد ضم السادة أمين التميمي ورشيد الحاج إبراهيم لجمع تبرعات لعمارة المسجد الأقصى، ونزل الوفد بضيافة أمير الكويت الراحل أحمد الجابر.
تأصلت هذه العلاقة بوصول أول بعثة تعليمية إلى الكويت عام 1936، مما ساعد في ازدياد تفاعل الكويت ومساندتها ثورة 1936من خلال الندوات وحملات التيرع للثورة.
وفي مجال التعليم توقف الكاتب عند دور الكويت في توفير فرص التعليم لآلاف الأبناء الذين وفدوا الكويت بعد حرب حزيران، وتأسيس مدارس منظمة التحرير الفلسطينية في السنة الدراسية 67ـ 68 التي كانت تكلف أكثر من مليوني دينار كويتي تدفع الحكومة الكويتية الجزء الأكبر، وما تبقى تجمعه منظمة التحرير من خلال التبرعات أو من الصندوق القومي الفلسطيني.
وكان للاهتمام الرسمي الكويتي بهذه المدارس تطوير قدرات ومهارات الشباب الفلسطيني في الكويت.
استعرض الكاتب ما أنتجته البيئة الكويتية والحكومة في توفير مناخات ملائمة للشعب الفلسطيني على أرض الكويت، ساعدته في حياته المعيشية، فقد تواجد الفلسطينيون في أحياء خاصة بهم ساعدت بالمحافظة على بعض ميزات المجتمع الفلسطيني، مما دفع الكاتب لاستعمال مصطلح الوطن الرديف دون غيره من المصطلحات، كما أشار إلى الدور الإيجابي الذي قامت به البيئة و الحكومة في:
الرياضة الفلسطينية:
أشار الكتاب إلى تاريخ إدخال منهاج التربية الرياضية والتربية الفنية في مدارس الكويت على أيدي البعثة التعليمية الأولى من المدرسين الفلسطينيين عام 1936، وعندما بدأ موظفو شركة نفط الكويت من الانجليز يمارسون لعبة كرة القدم في مدينة الأحمدي، وعند قدوم المدرسون الفلسطينيون وغيرهم بدأت لعبة كرة القدم تمارس في الكويت قبل تأسيس أول ناد رياضي عام 1950.
وليس هذا فحسب، فقد سمحت الحكومة الكويتية بتأسيس أندية فلسطينية سميت بأسماء المدن الفلسطينية تضم كافة الأنشطة الرياضية والكشفية والتراث الشعبي الفلسطيني.
ويشير الكاتب إلى دور الشهيد الشيخ فهد الأحمد الصباح في دعم الرياضة الفلسطينية في الكويت وفي البطولات العربية والإقليمية والدولية، الذي نجح من خلال حضوره الرياضي العالمي في قبول فلسطين عضوا كاملا في الاتحادات الدولية لكرة اليد وكرة الطائرة وكرة السلة والمصارعة والجمباز والملاكمة.
على الصعيد النقابي:
يعرض الكتاب إلى الدور المهم للحكومة الكويتية ووقوفها إلى جانب الفلسطينيين على أرض الكويت والسماح لهم بممارسة نشاطهم النقابي فقامت اتحادات للمعلمين والمحاسبين والمهندسين والصيادلة والفنانين واتحاد المرأة، تُشكل هيئاتها الإدارية بالانتخاب.
على الصعيد الصحافة والأدب:
تحت عنوان بركة الكويت وسحرها تحدث الكاتب بإسهاب عن مجموعة من الأعلام الأدبية والثقافية والإعلامية الفلسطينية التي عاشت في الكويت وساهمت في انتعاش وإثراء الحياة الثقافية من خلال عملهم في الصحافة مثل: غسان كنفاني وناجي العلى و محمد كعوش وليد أبو بكر ومصطفى أبو لبدة وتيسير نظمي وجهاد الرنتيسي وغيرهم، وقدم بعضهم شهادته في المجال الذي كان يعمل فيه آنذاك.
على الصعيد الفني:
أشار الكاتب إلى بعض الفنانين الذين أنتجتهم البيئة الكويتية في المسرح والدراما مثل؛ أسمهان توفيق وباسمة حداد وعدنان درويش.
على صعيد التراث الشعبي:
حافظ المجتمع الفلسطيني على اللهجة الفلسطينية والعادات والتقاليد استطاعوا من خلالها نقل التراث الشعبي والمطبخ الفلسطيني والمحافظة عليه.
ثانياـ الكويت والنضال الفلسطيني:
يعرض الكتاب أبرز محطات التاريخية في العلاقة بين الكويت والنضال الفلسطيني مع وصول أول وفد فلسطيني إلى الكويت عان 1921 من أجل جمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى، وتستمر العلاقات النضالية من خلال جمع التبرعات وتشكيل اللجان الداعمة واستقبال اللاجئين عام 1948، ومطالبة وزير الخارجية الكويتي آنذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر عام 1963 في هيئة الأمم بحق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه. تُوجت هذه العلاقة النضالية بافتتاح مكتب منظمة التحرير على أرض الكويت عاما 1964.
وفي إطار النضال الكويتي وانفتاحه على الفكر القومي، أشار الكاتب إلى انتشار ومبادئ حركة القوميين العرب، هذا المناخ القومي الدافئ ساعد في ولادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني، ويؤكد الكاتب "أن الكويت كانت المحطة الرئيسة لكل التحركات السياسية للقيادات الفلسطينية وكان أغلبهم يقيمون في الكويت" ص26، لما توفره لهم من الحرية الكاملة،
كما أفرد الكتاب مساحة واسعة لكيفية تأسيس حركة (فتح) باستعراض شهادات برجس البرجس مؤسس وكالة الأنباء الكويتية وسليم الزعنون وصلاح خلف وخيري أبو الجبين أول مدير مكتب منظمة التحرير في الكويت.
ثالثاـ الاحتلال العراقي للكويت:
توقف الكتاب عند احتلال العرق للكويت التي شكلت كارثة جديدة ليس للكويتيين فحسب، وإنما للشعب الفلسطيني المقيم على أرض الكويت الذي يرى في عملية الاحتلال هزّة عنيفة أصابت المجتمع الفلسطيني، وهذا كان رأي الأغلبية الساحقة من فلسطينيي الكويت، حسب رأي الكاتب الفلسطيني محسن صالح رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت.
ويذكر الكاتب معتمدا على اتصالاته الشخصية أن موقف ياسر عرفات لم يكن موقفا فلسطينيا جامعا داخل منظمة التحرير أو حتى حركة فتح؛ فقد عارضه سليمان النجاب ممثل حزب الشعب الشيوعي، ومن داخل فتح كانت معارضة خالد الحسن ونبيل شعث وصلاح خلف ومحمود عباس (ابو مازن) ص152.
كما كشف الكاتب عن مقابلة أجراها مع سليم الزعنون لم تنشر في حينها بناء على طلب سليم الزعنون، عرض فيها الضغوطات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على أرض الكويت بعد الاحتلال على أيدي وأدوات الجيش العراقي من اعتقالات وتعذيب، كما أشار الزعنون للمقابلة التي جمعته مع علي حسن مجيد وسبعاوي لوقف الاعتقالات بين صفوف الفلسطينيين، فكان رد علي مجيد" أن هذه الجالية لا تمت بصلة للفلسطينيين" ص63، واتهمهم باللصوص وقاطعي الطريق.
ويشير الكاتب وهو الشاهد على تلك الأحداث التي عاصرها وعاش في أجوائها، أن التلفزيون العراقي كان يبث مسيرات مفبركة لا علاقة للفلسطينيين بها يجري تصويرها في أماكن التواجد الفلسطيني لإيصال رسالة أن الفلسطينيين شركاء الاحتلال، بالإضافة لنشر قوات مسلحة تابعة لجبهة التحرير العربية المدعومة من العراق في الأحياء الكويتية تتحدث اللهجة الفلسطينية.
هذا السلوك ظهرت نتائجه بعد تحرير الكويت وعودة الشرعية، فقد عاد الكويتيون الذين خرجوا من منها بعضهم متأثرا ببعض الإعلام العربي والغربي الذي عمل جاهدا على ضرب العلاقة الكويتية ـ الفلسطينية، وخلق أجواء طاردة للوجود الفلسطيني من أجل إحلال عمالة وافدة بديلة.
رابعا ـ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
سلط الكاتب الضوء على دور الشيخ صباح الأحمد ووقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية مذ كان وزيرا للخارجية الكويتية، وهو المسؤول الأول في إدارة العلاقة الكويتية ـ الفلسطينية حتى تسلمه سلطاته الدستورية كأمير للبلاد عام 2006، وأشار الكتاب إلى دوره البارز في المحافظة على وحدة منظمة التحرير بعد الانتفاضة الأولى 1987 من خلال المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988.
كما أشار الكتاب إلى حكمة أمير الكويت لمدى المخاطر التي ستنجم عن مخططات الجهات التي تسعى لخلق حالة عداء فلسطينية ـ كويتية، فعمل بحكمته وحصافته على إغلاق الطريق أمام الانتهازيين والمغرضين، بذلك حافظ على التاريخ النضالي للكويت في سبيل القضية الفلسطينية رغم معارضته الداخلية والخارجية.
وهكذا استقبلت الكويت الاعتذار الفلسطيني واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق المزيد من التعاون الكويتي الفلسطيني.
الخلاصة:
يخلص الكاتب إلى أنّ العلاقة التي تنطلق من الأسفل إلى الأعلى وعبر الجهود الشعبية وتتوج بقرار رسمي هي علاقة راسخة، وأن العلاقة الفلسطينية ـ الكويتية بنيت على مصالح متبادلة بعيدا عن الأنانية والانتهازية، وأن الاحتلال العراقي شوه قيم العروبة والقومية التي تربى عليها الفلسطينيون والكويتيون والعراقيون.
ملاحظات عامة:
1ـ قدم لنا رجا طلب، عرضاً مهماً وتوثيقياً للعلاقة الفلسطينية ـ الكويتية وتأثرها بالاحتلال العراقي بكل موضوعية بأسلوب أدبي ميسر ولغة سهلة يجد القارئ فيها متعة تدفعه لمتابعة القراءة حتى نهاية الكتاب، كما عزز كتابه بخبرته الصحفية و ذاكرته الشخصية وما تيسر له من مصادر موثوقة منح الكتاب أهمة الاقتناء.
كما يسجل للكاتب أنه لم يكتب كمؤرخ أو باحث، أو صحافي، وإنما كفلسطينيّ عاش مأساة شعبه في الكويت.
2ـ التكرار: ورد في الكتاب تكرار تواجد الفلسطينيين في الكويت ( النقرة وخيطان والحوللي وغيرها..) في ص46 وص 74
كما ورد التكرار أثناء الحديث عن البعثات التعليمية الفلسطينية في صفحات 12، 16، 17، 139. وكان بإمكانه الابتعاد عن التكرار دون أن يؤثر على الفكر أو المضمون.
3ـ الإسهاب: وجدت بعض الإسهاب في بعض المواضيع كالإسهاب أثناء الحديث عن غسان كنفاني و ناجي العلي من ص85 ـ 114
4ـ مر الكتاب مرور الكرام على العادات والتقاليد والتراث الشعبي، والفرق الفنية مثل فرقة ترشيحا أو الفرق الشعبية الفلسطينية التي كانت تحيي حفلات الأعراس في الكويت مثل الزجال حسين حمدان و إدريس علاري.
كاتب وباحث اردني