التّشريع الماليّ .. شرعيته الدستوريّة وأبعاده الإجتماعيّة
د. نهلا المومني
20-08-2018 02:01 AM
قد يكون مُستغرباً للعديد من المواطنين وحتى القانونيّين والسياسيّين منهم القول بأنّ الباعث الرّئيس تاريخيّاً لإنشاء البرلمانات هو لأمرٍ ماليّ بحت؛ فقد كان الهدف من إنشاء البرلمان وفقاً للسّياقات التاريخيّة المُوثّقة هو إقرار مشروع قانون المُوازنة العامّة، والذي تكتسب الحكومة بموجبه شرعية تحصيل الضّرائب والرّسوم.
وإنطلاقاً من أهمية قانون المُوازنة نجد بأنّ النظام البرلمانيّ الإنجليزيّ الذي يُعتبر أعرق الديموقراطيات الحديثة، إذ نشأ عن طريق أعرافٍ وتقاليدٍ على مدى عدّة قرونٍ من الزّمن، قد حصر بمجلس العموم صلاحية إقرار مثل هذه التّشريعات دون مجلس الشّيوخ (اللوردات)، الذي فقد إختصاصه في الشؤون الماليّة كافةً في عام 1911.
أمّا فيما يتعلّق بالدستور الأردنيّ لسنة 1952 وتعديلاته، فقد ساوى بين مجلسيّ النّواب والأعيان في الإختصاص التشريعيّ الماليّ سواءً ما يتعلّق منه بقانون الموازنة العامّة للدّولة أو تلك التّشريعات الماليّة الأخرى؛ كقانون ضريبة الدّخل، وقانون ضريبة المبيعات.
في خضم بدء الحكومة وقّرب إنتهائها من إعداد مشروع قانونٍ مُعدّلٍ لقانون ضريبة الدّخل لسنة 2018 يستند إلى حوارٍ وطنيّ شاملٍ، نجد من الأهمية بمكان أن نؤكّد على وجوب أن ينطلق قانون ضريبة الدّخل وأيّة تعديلاتٍ تطرأ عليه من المُرتكزات الأساسيّة للتّشريعات الضريبيّة كافةً الواردة في نص المادة (111) من الدستور الأردنيّ، والمُتمثّلة بمبدأ التّكليف التصاعديّ مع تحقيق المُساواة والعدالة الاجتماعيّة، وعدم تجاوز مقدرة المُكلّفين على الأداء وحاجة الدولة إلى المال.
أمّا التّرجمة العمليّة لهذه المضامين الدستوريّة فتعني أنّ الحكومة مُلزمةٌ دستوريّاً بإرفاقها مع مشروع القانون المُعدّل دراسة جدوى إقتصاديّة وإجتماعيّة تبيّن مدى التّقيد بالمُرتكزات الدستوريّة هذه، وذلك ببيان الوفر الماليّ المُتأتي في حال إستكمال مشروع القانون المُعدّل هذا لمراحله الدستوريّة ودخوله حيّز النّفاذ والتّنفيذ القانونيّ، وأثره المُباشر وغير المُباشر على الوضع الماليّ للمُكلّفين، وذلك كلّه في ضوء مراعاة التّقارير الرسميّة وغير الرسميّة حول مستوى خط الفقر في المملكة، وعدم تجاوز النّسبة المُقدّرة للتّحصيل في قانون المُوازنة العامّة لسنة 2018.
يُضاف إلى هذا إعادة النّظر في قانون الضريبة العامّة على المبيعات، وذلك بتقليص نسبة هذه الضريبة بصورةٍ تُراعي دخول المُواطنين والمستوى الإجتماعيّ وكفالة زيادة الإنفاق، وقلب ميزان المورد الماليّ للخزينة لصالح ضريبة الدّخل على حساب ضريبة المبيعات، علاوةً على إستثناء السّلع والخدمات الأساسية من هذه الضريبة، فضمان حق الأفراد في المستوى المعيشي المُلائم هو أحد الحقوق الأساسية والطبيعيّة التي يتوجّب على الدولة أن تكفلها.
ومن المُتطلبات الأساسية أيضاً تنمية الحس الوطنيّ ومفاهيم المُواطنة الفاعلة لدى المُواطنين على إعتبار أنّ أداء الضريبة واجبٌ وطنيّ وليس مجرّد مبلغ ماليّ يدفع في نهاية كلّ سنةٍ شمسيّةٍ، وبالتّزامن مع هذا أن يكفل القانون بحلّته الجديدة مُكافحة مُثلى للتّهرب الضريبيّ ضمن سُبل ووسائل قانونيّة ملائمة.
ختاماً نأمل بلوغ رؤيةٍ إقتصاديّةٍ شموليّةٍ ينظوي تحت لوائها تشريعاتٍ وطنيّةٍ وسياساتٍ وممارساتٍ حكوميّةٍ تُسهم في تحسين المستوى الإقتصاديّ والماليّ للدولة والمواطنين، مع الأخذ بعين الإعتبار ضرورة الإيمان بالعمل الوطنيّ التشاركيّ الذي يُؤطّر دور المُواطنين ومؤسسات المجتمع في التّشريع والمساهمة في رسم السّياسات العامّة وتطبيقها.