الملك يتخفى .. ومسئولون يقتلوننا بسفورهم
28-05-2009 05:30 AM
لست في مقام المادح ، ولكن الجزاء من جنس العمل ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ .. فكيف لا يشكر المواطن لصاحب الفضل إن لم نكن على قدر من الأخلاق الكريمة التي تدفعنا الى الاعتراف بفضل ملك مهمته ليست التخفي للوصول الى وجع المواطن الذي اقترب من لحظة عرض أوجاعه وهمومه على أرصفة "الشوارع التحتية " ،والتي امتلأت بمعارض الألبسة المستعملة والمواد الاستهلاكية رخيصة الثمن ، والتي تتم مقايضتها بأوجاع الفقراء وهموم أرباب الأسر الذين لم يعودوا يتحملون كل هذا الضغط الهائل من التعب النفسي والمادي ، وصراخ أطفالهم الذين يطلبون حاجياتهم دون إدراك لمدى معاناة الأب أو الأم حتى يوفروها لهم .
الملك يزور دائرة شؤون المرضى .. خبر حصري أوردته "عمون" كعادتها .. ولكن هذا الخبر ليس الأول من نوعه ، فالملك قام منذ سنوات حكمه الأولى بمثل هذه الخطوات متخفيا للإطلاع عن كثب على واقع الحال في كثير من المؤسسات الخدمية الحكومية ، وفي إحدى المرات كان قادما من رحلة خارجية ولحظة وصوله بعد منتصف الليل توجه فورا الى المفرق وتحديدا الى المستشفى الحكومي ..
بعدها بسنة تكررت الملاحظة ، فما ان حطت طائرته على أرض المطار قادما من الولايات المتحدة عند الفجر طلب اجتماع عاجل مع رئيس الحكومة والطاقم المعني ، وطلب منهم اتخاذ إجراءات فورية لمساعدة المواطنين ، والتخفيف عليهم من وطأة ارتفاع الأسعار ونقص المواد التموينية ، وكان الخبر أيضا حصريا لـ"عمون" صوت الأردنيين على مختلف حناجرهم ..
وفي الثالث من شهر كانون أول الماضي أبلغ مصدر مسؤول في الديوان الملكي إدارة "عمون" ان جلالة الملك عبد الله أبدى اهتماما بالغا في الشكاوى حول مقاسات معاطف الشتاء التي امر الملك عبد الله الثاني بتوزيعها على طلبة المدارس الحكومية وكانت تلك الشكاوى قد تضمنتها التعليقات التي رافقت موضوع رد الملكة رانيا العبد الله في "عمون" على مادة اخبارية تعلقت بضرب تلاميذ المدارس
وأمر الملك فورها بتشكيل لجنة متابعة بحيث حصل كل طالب على معطف وقام الديوان الملكي باتخاذ إجراءات فورية لضمان حصول كل طالب وطالبة من مدارس الحكومة ووكالة الغوث والثقافة العسكرية على معطف بمقاسه .
ولست بمذكر عن زيارات الملك المفاجئة دون تخفي الى القرى الأردنية في مختلف المحافظات والنائية منها .. وكل هذا استوجب الشكر والعرفان من أولئك المواطنين المغلوبين على أمرهم .. الذين لا يمتلكون أجرة الطريق الى عمان كي يبثوا شكواهم لنائب أو مدير أو وزير .. ولا يملكون أجهزة الكمبيوتر كي يرسلوا خطابات الشكوى نحو منظمة مراقبة حقوق الإنسان " هيومن رايتس ووتش " .. بل يرون أن انتظار دورهم للحصول على تأشيرة حج أقل وطأة من انتظارهم على أبواب أصحاب العطوفة المحافظين الذين من المفروض ان لا تغلق أبواب مكاتبهم أمام عامة الناس وفقراء المدن ..
بل كان الأحرى أن لا يتم تركيب أبواب على تلك المكاتب من الأصل .. أمكاتبهم حممات سباحة ، أم غرف غيار ملابس تابعة لناد ترفيهي .. وما ينطبق على المحافظين هو بالضرورة طبق الأصل لما يحدث عند بقية خلق الله من المسئولين الذين يلهثون وراء " الواسطة " كي يجلسوا على مقاعد المسؤولية .. وحينما يتسنمون مسؤولياتهم ، ينسون المسائل التي هم مضطلعون بها ، ولا يسألون عن أحد .
المصيبة ان كثيرا من المسئولين ارتكبوا فحشاء العمل ، وتجاوزوا كل خطوط العيب والحرام وخيانة المسؤولية ، دون ان يرف لهم رمش أو يرتد لهم طرف ، ووزعوا حقوق المواطنين على محاسيبهم وعائلاتهم وأخدان اتخذوها ، وتجارة اقترفوها .. ولم يتخفّوا .. بل قاموا بكل ذلك وهم سافرون ، ودون ان تحمرّ وجوههم خجلا ، ولا ترتعش أصابعهم خوفا .. ومنهم من لا يزال جاثم على مقعد مسؤوليته يتحين المزيد من الفرص .. أفهم السفهاء .. أم نحن البلهاء ؟!
في المقابل نرى ان هناك خطط حكومية نشك أحيانا انها من "طبخ " حكوماتنا أو مسؤوليها ، فهم يتعاملون مع الشعب وكأنه شعب جنوب أفريقيا الأسود وهم حكومة "الأفريكان " الأقلية البيضاء حيث كان نظام الفصل العنصري يـُحكم سيطرة خمسة ملايين أبيض يعيشون برغد ، على 30 مليون أسود وملون يعيشون كالعبيد عند أبناء المهاجرين الأوروبيين ، قبل ان يخلصهم " نيلسون مانديلا " بعد ان قضى 27 عاما في السجن مكافحا !
قانون ضريبة جديد أجدب يمنح البنوك وشركات الاتصالات خصومات ضريبية فريدة .. قانون الضمان الاجتماعي الذي صرخ معانوه منذ أول كشف له ... هبة أقاليم كادت ان تطيح بالشعرة الأخيرة التي تحكم العقد الاجتماعي الأردني .. تغول مخالفات السير التي أصبحت كالغبار في جو خماسيني تصيب الكل ولا تخيب و بلا أدلة ولا إثبات .. رسوم نعرف بعضها ولا نعرف عشراتها .. تراجع في تطبيق القانون وعشوائية في السيطرة الأمنية .. أما القطاع الخاص فحدث ولا حرج ، وكأننا في ثورة للجياع وبقي ساعة على فرض حضر التجول .. الكل ينهش بهذا المواطن الذي وصل الى حد حضر التفكير عنده .
ختاما .. لا بد من أعلن عن الاستغراب الكبير لقرار متوقع يضرب رؤوسنا بحائط الحكومة .. فقد أورد الزميل حاتم العبادي في صحيفة الرأي خبرا مفاده أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي وليد المعاني قد كشف عن توجه لابتعاث 2000 طالب للدراسة في جامعات أجنبية لغايات التعيين في الجامعات كأعضاء هيئة تدريس، بكلفة تتراوح ما بين (400-450) مليون دولار ..
فهل فعلا هذا هو مايفكر به هؤلاء المسئولون .. ولماذا لا ينظرون الى آلاف الخريجين العاطلين عن العمل .. ولماذا لا يتم ابتعاث أساتذة الجامعات لصقل مهاراتهم والإطلاع على التجارب "غير المفيدة لنا " وهم على رأس عملهم .. ولماذا لا يتم دعم الأساتذة ومنح الاستقلالية للجامعات ، بدل كل تلك الأموال التي ستكلفنا غاليا ، بعدما كلفتنا الديون الخارجية ثمن الحرية التامة .. يا للعجب !
Royal430@hotmail.com