مدير قضاء عسكري أسبق يوضح حول قضية الدخان
د.مهند حجازي
18-08-2018 06:09 PM
عمون - كتب مديــــر القضـــاء العسكـــري الأسبــــق نائــب عام محكمة أمن الدولـة الأسبـــق الجنـــرال مهند حجـــازي حول قضية الدخان موضحا عدد من القضايا التي اثارت الرأي العام مؤخرا.
وتاليا ما كتبه حجازي ل عمون :
• لا يوجد ما يمنع من تسليم المتهم في قضية مصنع الدخان للأردن.
• محكمـــة أمــن الدولـــــة هي صاحبة الاختصاص للنظر بالقضية.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مدى تجاوب المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) لطلب النائب العام لدى محكمة أمن الدولة لتسليم المتهم الرئيس بقضية (مصنع الدخان) على سند من القول بأن "الانتربول" لا يتعامل مع المحاكم العسكرية أو الخاصة، مستندين بذلك إلى أحكام المادة الثالثة من النظام الأساسي لمنظمة الانتربول والتي تنص على أنه "يحظر على المنظمة حظراً باتاً أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري".
ما يفهم من سياق النص أعلاه ان الحظر جاء على طبيعة الفعل المسند للشخص المطلوب تسليمه وليس على طبيعة أو نوع الجهة القضائية طالبة التسليم أو طالبة البحث والتحري هل هي محكمة نظامية أم خاصة.
وبالرجوع إلى التهم المسندة للشخص المطلوب البحث عنه أو تسليمه في قضية (الدخان) كما أسندها مدعي عام محكمة أمن الدولة، نجد أنها من الجرائم المنصوص عليها في قوانين منع الإرهاب، ومكافحة غسيل الأموال، والعقوبات العامة، والجمارك، وبالتالي فهي من الأمور خارج دائرة الحظر ولا يوجد ما يمنع من قيام (الانتربول) بالقبض على الشخص مدار البحث.
ان تجاوب الانتربول مع الطلب محكوم باتفاقات إقليمية ودولية منها على سبيل المثال الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والاتفاقات الدولية لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.
ولعله من المفيد الإشارة وبناء على تجربتي السابقة مدعياً عاماً ونائباً عاماً لمحكمة أمن الدولة، فقد حققنا نجاحاً كبيراً بالتعاون مع (الانتربول) وبعض الدول وتم تسليمنا أردنيين مطلوبين لنيابة أمن الدولة، بل وتمكنا من إلقاء الحجز التحفظي على أموال هؤلاء الأشخاص وتتبع حركة أموالهم وأرصدتهم خارج الأردن.
وبعيداً عن كون طلب المساعدة القضائية صادراً عن نيابة أمن الدولة أو عن أي جهة قضائية أخرى، فان مدى تجاوب الدول المقيم على أراضيها الشخص المطلوب رهين عوامل سياسية وقانونية غاية في التعقيد منها على سبيل المثال تمتع الشخص بجنسية دولة أخرى، ومنها ان لا تكون تلك الدولة طرفاً في الاتفاقيات الدولية أو الثنائية ذات الصلة.
اما فيما يتعلق بالحديث حول عدم اختصاص محكمة أمن الدولة النظر بهذه القضية لمخالفتها نص المادة (101) من الدستور الأردني.
فأننا نقول ان الفقرة (2) من المادة (101) قد نصت على أنه: "لا يجوز محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، يستثنى من ذلك جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة".
وعلى سبيـــل التناوب فكما هو معلـوم ان محكمــــة أمن الدولة تشكل استناداً لأحكام المادة (2) من قانون محكمة أمن الدولة المعدل رقم 9 لسنة 2014 (الصادر عقب التعديلات الدستورية لسنة2011) والتي تنص على أنه "وفي أحوال خاصة تقتضيها المصلحة العامة، يحق لرئيس الوزراء ان يقرر تشكيل محكمة خاصة تسمى محكمة أمن الدولة، وتتألــف من هيئة أو أكثر، من قضاة عسكريين أو مدنيين أو مدنيين وعسكريين، يعين القضاة العسكريون بقرار من رئيس الوزراء بناء على تنسيب من رئيس هيئة الأركان المشتركة، ويسمي المجلس القضائي القضاة المدنيين وينشر القرار في الجريدة الرسمية.
وتأسيساً على ما تقدم، وحيث توصلت التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة لدى دائرة الجمارك ومدعي عام محكمة أمن الدولة أن الأفعال التي قام بها المتهمون بهذه القضية هي من ضمن الجرائم المنصوص عليها في قانون منع الإرهاب والتي هي بموجب أحكام الدستور مادة (101) تدخل حصراً ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة وان قرار مدعي عام محكمة الجمارك بإحالة القضية إلى مدعي عام محكمة أمن الدولة يتفق وأحكام الدستور والقانون.
وحيث ان الجرائم الأخرى التي لا تدخل في اختصاص محكمة امن الدولة هي جرائم متلازمة فان النظر فيها يعود الى محكمة أمن الدولة وفقاً لما يقرره النائب العام لمحكمة أمن الدولة سنداً للمادة (3/ب) من قانون محكمة أمن الدولة رقم 17لسنة1959 وتعديلاته وهذا هو الادعى عدالة.
ومن نافلة القول أيضاً أن انعقاد محكمة أمن الدولة بهيئتها المدنية المشكلة من قضاة مدنيين يسميهم المجلس القضائي للنظر في بعض الجرائم المنصوص عليها بقانون محكمة أمن الدولة يتفق وأحكام المادة (101) من الدستور. وبالتالي فأن النظر بقضية "مصنع الدخان" من قبل محكمة أمن الدولة بهيئة جميع قضاتها من القضاة المدنيين يلغي حجة التذرع بكون المحكمة هي محكمة خاصة، لاسيما وان أحكام أو قرارات محكمة امن الدولة تابعة للطعن بها أمام محكمة التمييز الأردنية بصفتها محكمة موضوع وقانون، مع الإشارة هنا إلى ان محكمة التمييز تنعقد من خمســـة قضاة على الأقل، جميعهم مدنيون وفقاً لنص الفقرة (أ) من المادة (10) من قانون محكمة أمن الدولة رقــم 17 لسنـــة 1959 وتعديلاته.
وبالتالي، فلا يوجد ما يمنع من تسليم المطلوب في قضية الدخان إلى السلطات القضائية الأردنية عن جرائم ارتكبها على الأراضي الأردنية لا تصطبغ بالطابع السياسي أو العسكري أو الديني أو العنصري، انما هي جرائم ذات مساس بالاقتصاد الوطني من حيث انها تنطوي على مخالفات لقوانين الدولة المنظمة لأساليب الاستثمار وقانون منع التهرب الجمركي وغسيل الأموال والكسب غير المشروع، والتعدي على حقوق وامتيازات الغير وتهريب الأموال بطريق غير مشروع إلى الخارج بما ينفي عنها صبغة ان تكون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري. مضافاً إلى ذلك كله، ان ضمانات التحقيق والمحاكمة العادلة وفق الأصول الجزائية المدنية في جميع المراحل كفلها للمطلوب تسليمه الدستور وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون محكمة أمن الدولة سواء بسواء حيث ان قانون أصول المحاكمات الجزائية هو الذي تتبع أحكامه في التحقيق والمحاكمة.
مع الإشارة هنا إلى أن المحاكمات تجري بصورة علنية وفقاً للفقـــرة (أ) من المادة (8) من قانون محكمة أمن الدولة، كما ان التحقيق مع المطلوب تسليمه من قبل المدعي العام يتم بحضور محام يختاره المطلوب تسليمه وفقاً للفقرة (1) من المادة (63) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 9لسنة1961 وتعديلاته وذلك تحت طائلة بطلان الإفادة اذا لم يراع المدعي العام ذلك. كما ان حضور محام في المحاكمة وجوبي في حالة المطلوب تسليمه.
وعليـــــــه، فأن المطالبة بتسليم المطلوب للسلطات القضائية الأردنية، حتى وان كان يتمتع بجنسية دولة اخرى لا يمنع من تسليمه في ظل الضمانات القائمة، باعتبار ان الجريمة وقعت على الأراضي الأردنيــــة.