كُتب عليك اليتم مبكرا يا بني ، ها أنتَ تحملُ العلم الذي لُفَّ به جسد أبيك ، عليه بقيّة من دمه ومن عطره ، ومن أحلامه وأمانيه ، ربما ستدرك لاحقا ماذا يعني فراق الآباء ، ماذا يعني الشهيد معاذ "فتىً به سمرة" عندما إنطفئت مصابيح السلط أضاء دمه هو وفتية إرتقوا يومها نحو السماء .
كُتب علينا يا إلياس في هذي البلاد أن نكون الفقراء ، وعلّمونا في مدارس القرى مبكرا أن نكون الشهداء ، وأن نكون العسكر والحرس والجنود ، وأن نكون حماة الثغور ، من غير دمنا مهرا لهذي البلاد .
بعنا مبكرا يا إلياس ما تبقّى ممن ورثناه عن آبائنا حتى ندرس في الجامعات ، وعندما تخرجنا لم نجد وظيفة في "المشاريع " ولا في " الشركات " ، فتح لنا الجيش قلبه وقالوا لنا كُونوا "مشروع شهيد " ..!!
موجع دمعك ودمع كل أمهات الشهداء ، ونعرف أن الشهادة مكرمة من الله ، ولكن الموجع أكثر يا إلياس هذا الوطن مقسوم من المنتصف ، فقراء يحبون الوطن ويفدونه بالدّم ، وفاسدون يمتصّون الوطن ويتاجرون بنا وبدمنا ..!!!
نعرف دروب الجنوب والقرى المنسية ، ونعرف أن أباك نتاج تلك البلاد الفقيرة من كل شيء إلا من الطيب والشجاعة ، كان كلمّا عبر الطريق الصحراوي ، كان يعدّ أيام الشهر ليعرف متى الراتب ، فحياة العسكر تُبنى على الأقساط والقروض ولكن عندما يطلبون حياته يدفعها للوطن "كاش" .. لا يتردد ، ولا ينتظر ولا يتصل ، ولا يحسب ما تبقّى في جيبه ..
أمرُّ بوجهك يا إلياس وتمر ببالي وجوه أبناء الشهداء؛ جوان بنت راشد ، وكندة بنت سائد ، وكل أبناء الشهداء ، من يعوضهم عن غياب وجوه آبائهم ، لم مكتوب علينا وعليكم التضحية والفداء دون كل هؤلاء الذين يتسيدون الصفوف الأولى ، ويتصدرون المكاتب والكراسي والكوندشنات وعطر السكرتيرات ، أصحاب الربطات والمايكروفونات ، ومن يثقلون على قلوبنا في الشاشات والإعلام صبحا ومساء .
ستكبر يوما يا إلياس وتعرف أن هذا الوطن ظلمك وظلمنا كثيرا ، وأن هذي البلاد تنكر أبنائها وشهدائها ، وأن صوتنا ودمعنا سيجف كالبحر الميت ، وأنهم سرقوا ماء عيوننا، وسيتهموننا أننّا متشائمون ومتسلّقون وباحثون عن الشهرة ، أما من سرق بلادنا ودم شهدائنا فهم يرتقون اكثر والناس ما زالت تصفق لهم .
حماك الله وحمى الله بلادنا من كل حاقد وفاسد .