يدخل الملك صالة اللقاء، يبدأ بالسلام على الحضور، واحداً واحداً ويبدأ من طرفة مخاطباً أول المصطفين من الزملاء: «أهلاً سيدي»، هل من زعيم حولنا يقول لمواطن أهلاً سيدي، ثم يبدأ الحديث محدداً المحاور ومسـتأذناً من حاشيته ومعتذراً من الحضور كلما غادر الفكرة إلى فكرة أخرى.
يحدثك الملك عن الداخل الأردني، ومسار الأشقاء الفلسطينيين مع العملية التفاوضية، ويؤكد كما قال سابقاً «لم نرَ أو نقرأ شيئاً اسمه صفقة القرن»، لكنه يكشف عن جدالاته مع الإدارة الأمريكية وتعديل رؤية الرئيس ترامب للمنطقة، في زيارة الصيف للولايات المتحدة التي عرج على تفاصيلها، ولنكتشف أن كل الشائعات والاسئلة التي طرحت كان الملك على اطلاع عليها في وقت كان هو يجري لقاءات كبيرة وهامة مع مستثمرين وساسة، كما أنه يتابع خطاب الثقة وردود فعله، ويقول:» نعود لموضوع الدخان، كثير كنت مبسوط أن نائباً في البرلمان أثار القضية..».
لا يفوت الملك بعد الحديث عن واجباته تجاه الشهداء بأن يؤكد تواصله مع الكتيبة 71 وقيامه بزيارة رفاق السلاح وتعزيتهم بفراق من اختارهم الواجب شهداء، فهذا ملك لا ينسى رفاقه. كما أنه لا ينسى مواقيت رؤيته لهم فبعضهم كان ينتظر مقابلته قبل أيام من استشهاده، وبعض الجرحى حين زارهم (وكما قال) تذكروا أنهم خدموا معه وأبوا حين رأوه يزورهم إلا أن يغادروا المستشفى والعودة للعمل.
وفي صور أخرى تصل للملك اخبار التعليم العالي والجمارك والأمانة غير الايجابية والايجابية وهو يقرر انها تحتاج لإصلاح، لكن المشهد ليس غارقاً بالسوداوية ففيه قصص نجاح، لكنه مشهد يحتاج للتواصل المستمر وممارسة النقد وبذل الجهد للأفضل.
يُفهمُنا الملك كيف يستثمر البعض بكذبهم، ويرددوا عبارات توحي أنهم على صلات مديدة به، فيقول :»لا تسعموا من حدا قال تعشى معي، كل كذب»، وليس هذا للنفي عن العلاقات المباحة فهو انسان، لكنه مدرك كم يحاول البعض تزوير الحقيقة وزعم أدوار وعلاقات لهم معه، بغية الـتأثير أو إيهام الناس أو المسؤولين التنفيذيين لكي يحصلوا على ما يريدوا بالنفوذ والعلاقات المزعومة.
هذا ملكنا، وهذا وطننا، والملك لا يريد أحد أن يكون ملكياً أكثر منه، ولا يدعي حباً به أكثر من الآخرين، ولا يوهم الناس أنه يراه باستمرار، فالشعب البسيط هو الذي قدم كل ما لديه من مال ودماء أبنائه لأجل وطنهم، وليس الساسة والنخب، وهذا الشعب الذي يغالب الواقع والتحديات، والتي يسردها الملك في كلامه عن الإصلاح في المؤسسات وتعطل الاستثمار وسمعة البلد خارجياً مع اتساع الفقر والبطالة، وفائض التطرف الذي لا يمثل الإسلام الحقيقي، هو ذاته الشعب الذي كبح كل المؤمرات على وطنه وهو الذي التف دوماً حول قيادته.
لقاء الملك أمس، كان شفافاً وكان الملك فيه مرتاحاً مطمئناً، وصريحاً إلى أبعد الحدود، وسمع جلالته من الإعلاميين كلاماً في غاية الأهمية، ناقش وسأل وأوضح وفسر، ولم يقل أنه يمتلك كل الحلول، بل إنه أكد على مسؤولية الجميع، وعلى إرادة الإصلاح وعلى أهمية العامين المتبقيين من عمر مجلس النواب والبحث عن دور افضل للأحزاب، وعلى ضرورة التواصل اكثر والإفصاح عن المعلومات، كما شدد على إيجابية عمل المؤسسات في التعامل مؤخراً مع قضايا الوطن، وهو أمر يصب في صالح الجميع.
في المسألة الفلسطينية ، يؤكد الملك قائلاً» نحن ما غيرنا اسلوبنا، نحن مع دولة فلسطينية (...) وعلينا أن نقرب بين طرفي التفاوض، ولكن هناك تحديات اقليمية ودول تبحث عن أدوار في هذا الملف...»
يختم الملك اللقاء بقوله: «تحدثوا ولا تخافوا» في مسألة الفساد، ويقدم معلومات مهمة عن دور الأردن في استقرار الجنوب السوري وعن اتصالات مع النظام السوري من جديد، ويحدثنا عن عمل دؤوب في ملفات الإقليم، لكنه كما قال «لا نستطيع كل مرة نعمل مؤتمر صحفي ونعلن عن كل ما نقوم به».
رسائل الملك كانت تعكس ارتياحاً كبيراً، إذ وصف علاقته مع رئيس الحكومة أنها خالية من أي مشاكل، قوة البلد في حماية حدودها وأمنها ممتازة، وأي دولة لا بدّ وأن تواجه تحديات الأمن ويسقط فيها الشهداء، ويجرح فيها الأبطال.
الدستور