العلم في الصغر كالنقش في الحجر
د. سامي الرشيد
16-08-2018 10:45 PM
لقدبدأت كوريا الجنوبية في سبعينيات القرن الماضي بتطوير العنصر البشري لديها والاستثمار بعقليته ،وذلك للنهوض باقتصادها وبذلت ما في وسعها لاعداده وتعليمه وتربيته ،حتى وصل حجم الانفاق السنوي على التعليم الابتدائي 29مليار دولار اي نحو 20%من حجم الميزانية السنوية ، بينما الزمت الشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية بتمويل المرحلتين الاعدادية والثانوية للطلاب الفقراء، وبالتالي تحولت الى دولة أصبحت نسبة الجامعيين بها أكثر من 80% ،بعد ان كان نسبة الاميين يفوق تلك النسبة .
لقد أنشأت الحكومة الكورية عام 1967حقيبة لنقل العلوم والتقنيات من مختلف دول العالم الى داخل اراضيها ،وقامت بتطوير تلك التقنيات لتناسب بلدها وتجعل الصناعات فريدة تجعل منتجاتهم أكثر تميزا وتزيد من معدلات الطلب عليها والقدرة الشرائية لها عالميا ومحليا .
وجد ان الاساس هو عملية تطوير الهيكل التربوي والتعليمي وفكرواهل نبدأ بتطوير المناهج ام الطالب ام المدرس ؟
لقد اختاروا ان يبدأوا بالمدرس كلبنة أساسية في عملية التطوير ووفرت له كل شئ لمقومات النجاح .
للبدء في تطوير المعلم وتحسين أدائه ،اختارت الحكومة أفضل 5%من الخريجين ،ليدرسوا طلاب المرحلة الابتدائية باعتبارها النواة الاساسية للعملية التعليمية .
لم يتم السماح للخريجين التدريس لهؤلاء الطلبة فيما عدا هذه النسبة من الخريجين ،وجعلتها الحكومة حكرا على معلمين مدربين يحملون أرقى الشهادات الجامعية ،وأمضوا على الاقل 25سنة في السلك التعليمي وتلقوا دورات مستمرة في علمي النفس والاجتماع ،بهدف رفع مستوى التعليم الابتدائي ،الذي تعتمد عليه مختلف المراحل المتبقية .
اولت الحكومة اهتماما بالغا بالمعلم ووضعته في مصاف الطبقة العليا ،واضفت عليه هيبة اجتماعية واعتبرت مهنته مقدسة ومنحته امتيازات عديدة ،كرفع راتبه الى قرابة خمسة الاف دولار شهريا ،كما تم استثنائه من الخدمة العسكرية ،والتكفل بمصاريف تدريبه الدوري لتقوية الجانب العلمي والتربوي لديه .
قامت الدولة بتشجيع افضل الطلاب واكثرهم تفوقا ليصبحوا مدرسين في المستقبل .
ركزت الدولة ايضا على المناهج ،حيث لم تركز على المقررات الدراسية فقط بل على اكساب المهارات وتعزيز القدرات وامتلاك الطلاب ،للمفاهيم الاساسية والمعلومات التي تساعده في حياته ،وتركز على مرحلة رياض الاطفال والابتدائية،لبناء اجسام الطلبة وتنمية لغتهم ومواهبهم وغرس السلوكيات الحميدة في نفوسهم ،من خلال دراسة مواد جذابة ،كالتربية من اجل حياة ذات معنى والتربية من اجل التمتع بالحياة وغيرها .
ركزت الدولة ايضا على دور التعليم والمدارس ،لجعله مناخا للدارسين عبر تزويده بشتى المتطلبات ومختلف الخدمات ،كالمعامل والمختبرات وقاعات الكومبيوتر والرسم والفنون والرياضة وغيرها .
توفر دور التعليم اجواء ديموقراطية ينعم الطالب بها،بنشأة صحية خالية من الضغوط والتوتر .
لقد ازدادت عدد المدارس الكورية منذ سنة 1953حتى الآن من 300مدرسة الى 19ألف مدرسة ،لتستوعب المرحلة الابتدائية وحدها 4ملايين طالبا ،بينما هي دولة تعداد سكانها خمسين مليون نسمة .
لقد ربطت مدارس التدريب المهني بالصناعة ،بحيث يحصل الطالب على المعرفة ليدرس في الصباح ويذهب الى مصنع او شركة في المساء ويتقاضى اجرا على ذلك .
في بلادنا :
لقد وضع طه حسين خطة للاصلاح الشامل للتعليم ،ووضع برنامجا وطنيا لأثر التعليم في الاستقلال الوطني وبناء الشخصية القومية ،ودعا الى توحيد التعليم وتدريس التاريخ الوطني والدين في كافة المدارس بما فيها المدارس الخاصة أيضا .
لقد ركز على اهمية تدريس اللغة العربية ووجوب اصلاحها ،معتبرا ان اصلاح اللغة شرط لاصلاح التعليم كله .
لقد ركز على تدريس وتقوية اللغة في المدارس الابتدائية ،وقال ان احد اسباب التطرف الديني الذي اصاب المجتمع يتمثل في الجهل باللغة العربية ،بصورة تحول بين الانسان وقراءة القران وغيره من النصوص الدينية قراءة صحيحة ناهيك عن فهمها .
لماذا لانستفيد من التجربة الكورية التي شحذت عقول الاجيال ووضعت البرامج وتقدم التعليم والصناعات بها .
فالمهم الجودة في التعليم لا كثافة التعليم فقط،ويجب ان نثق بأنفسنا وفي قدرتنا على النهوض حتى ننشأ بلدا قويا وقادرا يشار اليه بالبنان .