عن جدران الفصل وسياسة الفوضى الخلاقة
راسم عبيدات / القدس
02-05-2007 03:00 AM
..في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، يزداد المأزق الأمريكي يوماً بعد يوم ،
وقوى الممانعة والمعارضة للمشاريع الأمريكية في نمو وتصاعد كماً ونوعاً ، وتلحق ضرراً
وخسائر كبيرة بشرياً ومادياً ومعنوياً بالأمريكان ، حيث الفشل في احتواء وتطويع إيران ،
ومنعها عبر كل أشكال وأنواع العقوبات الإقتصادية والتجارية والدبلوماسية والسياسية من
امتلاك التكنولوجيا والسلاح النووي .بل وجدنا الإدارة الأمريكية ، واعترافاً منها بالدور الإقليمي لإيران ، وكونها أضحت قوة إقليمية ، وأحد اللاعبين الرئيسين في المنطقة، تضطر لدعوتها لحضور مؤتمر قمة شرم الشيخ ، والذي سيعقد بشأن المسألة العراقية ،
وبجدول أعمال متفق عليه ، وليس وفق الرؤيا والمقاسات والإشتراطات الأمريكية ، أما في
العراق حيث فشلت مشاريع ما يسمى ، بدمقرطة العراق ، فالمقاومة تشتد وتتصاعد وتتسع ،
وتزداد شمولاً وتطوراً ، وأمريكيا تزداد غرقاً في الوحل والمستنقع العراقي ، ومشاريعها
على المستوى الشرق أوسطي ، من الشرق الأوسط الكبير إلى الشرق الأوسط الجديد ، والذي
تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية " كوندليزا رايس " عن آلام مخاضها ، أثناء العدوان
الإسرائيلي في الصيف الفائت على لبنان ، نكتشف أن حزب الله ، قد حول هذه الآم إلى حمّل
كاذب ، ومن هنا جاء تقرير " بيكر – هاملتون " والذي وجه انتقادات لاذعة للسياسة
الخارجية الأمريكية في المنطقة ، ودعا إلى تبني إستراتيجية أمريكية جديدة ، تقوم
بالأساس على التذرير والتفتيت والتجزئة والتقسيم ، وإعادة رسم الجغرافيا للكيانات
الإجتماعية القائمة ، سياسة الفوضى الخلاقة من جهة ، وسياسة جدران العزل والفصل من جهة
أخرى ، وسياسة الفوضى الخلاقة ، تهدف بالأساس إلى بلقنة المنطقة العربية برمتها ،
وتفتيتها إقليمياً وعرقياً وطائفياً ومذهبياً ، وإحالتها إلى دويلات وجزر ، ومشايخ ،
عبر إثارة النعرات الطائفية والعرقية لتمزق الأمة إلى كيانات صغرى تغرق في صراعات
ومشاحنات ومواجهات ومنافسات ، تشتت وتشرذم هذا الكيان أو ذاك ، ولكي يصبح أسهل سيطرة
وأطوع تسخيراً وإخضاعاً وإذلالاً ، وهذه السياسة والإستراتيجية نتلمسها بشكل واضح في
العراق ، حيث يجري اختبار هذه السياسة هناك كنموذج يجري تعميمه في حال نجاحه على باقي
دول المنطقة ، وكل الدلائل والمؤشرات تقول بأن العراق ، سيجري تقسيمه إلى ثلاثة دويلات
، كردية في الشمال ، وشيعية في الجنوب ، وسنية في الوسط ، على أن يصار إلى ربط هذه
الكيانات ، بمعاهدات واتفاقيات وأحلاف عسكرية وإقتصادية وأمنية ، مع الإدارة الأمريكية
، وبما يمكن أمريكيا من استمرار سيطرتها وتحكمها بثروات العراق النفطية ، بأقل تكلفة
ممكنة وتحديداً في العنصر البشري ، وهذه السياسة يجب أن تترافق مع إستراتيجية أمنية
جديدة ، هذه الإستراتيجية الجديدة ، والتي عبر عنها السفير الأمريكي الجديد في العراق "
ريان كروكر " ، تستند بالأساس ، إلى إقامة جدران عازلة ، ليس حدودية فقط ، بل وداخل
المدينة الواحدة نفسها ، حيث شرع في إقامة هذا الجدار في منطقة الأعظمية في قلب العاصمة
بغداد ، وبالمناسبة فالذرائع والتبريرات لإقامة مثل هذه الجدران تستند إلى أسباب ظاهرة
وأخرى مخفية ، والتي تكون سبباً حقيقيا لإقامة مثل هذه الجداران ، فجدار برلين أقيم بين
الألمانيتين الشرقية والغربية ، بغرض منع الهروب والتسلل ، ومنع تدفق المعلومات ، ولكن
الهدف المباشر منه ، هو وقف المد الشيوعي من ألمانيا الشرقية إلى الغربية ، وبالتالي
إقامة نظام شيوعي فيها موالي لموسكو ، والنتيجة كانت سقوط سور برلين وتوحد الألمانيتين
، وإسرائيل أقامت جدار الفصل العنصري والذي دمر حياة الفلسطينين والتهم مئات الآف من
دونماتهم وأرضهم ، تحت يافطة وذريعة حماية إسرائيل ومواطنيها من الهجمات " الإستشهادية
" الفلسطينية والدفاع عن أمنها ، ولكن السبب الحقيقي لهذا الجدار ، هو تقطيع أوصال
الشعب الفلسطيني ومنع خلق تواصل جغرافي بين الأراضي الفلسطينية ، لكي تمنع أية فرصة
لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وبمعنى آخر هذا الجدار ، هو تكريس لسياسة الأمر الواقع ،
وبمثابة حدود سياسية ، بين إسرائيل وأي كيان ينشىء بموافقة فلسطينية أو بدونها ،
وبالعودة لسور وجدار الأعظمية ، فالحجج والتبريرات الأمريكية لإقامته ، هي لمنع
العمليات الإنتحارية ، ولحماية الطوائف من بعضها البعض ، ولكن نرى أن الأسباب الحقيقية
لهذا الجدار ، ليس الأنسانية الزائدة التي هبطت على الأمريكان فجأةً ، وهم الذين دمروا
العراق وارتكبوا المجازر والمذابح بحق أبناءه ، بل هي الحد من تصاعد وتنامي قوى
المقاومة ، والتي تشكل منطقة الأعظمية عصبا رئيسياً لها ، وتعميق حالة الإحتراب
والإقتتال المذهبي والطائفي ، تمهيدا لتقسيم البلاد وتجزئتها وتذريرها ، وبما يحكم
السيطرة الأمريكية عليها ، حتى لو انسحبت القوات الأمريكية من العراق ، فرغم المعارضة
الواسعة لإقامة هذا الجدار ، حتى من الحكومة العراقية المنصبة أمريكيا برئاسة المالكي ،
إلا أن أمريكيا ، لم توقف بناء الجدار ، وستقوم بجر وسحب هذه السياسة على كامل المنطقة
العربية ، وما نشهده في العراق وفلسطين ، مرشح أن نشهده في لبنان ، حيث أمريكيا وفرنسا
، تسعيان هناك إلى تفجير الوضع الداخلي وإغراق الساحة اللبنانية في أتون الصراعات
الطائفية والمذهبية والعرقية والحروب الأهلية ، بغرض وضع لبنان تحت الوصاية الدولية ،
ومن ثم إقامة جدران عازلة بين المناطق المسيحية والإسلامية ، والمناطق الشيعية والسنية
، والدرزية والشيعية وهكذا ، وهذه السياسة يجري سحبها لاحقا على مصر ، ففي حالة ظهور
أية خلافات طائفية قبطية إسلامية بفعل فاعل ، فأن الحديث عن إقامة جدران العزل والفصل
بين المسلمين والأقباط ، سيصبح مشروعا من أجل حماية الأقلية القبطية ، وهنا سنجد
أمريكيا تدعو أفرادها وجماعاتها في كل البلدان العربية والإسلامية للتحرك ، تحت يافطة
حماية والدفاع عن حقوق الإنسان ، والذي غالبا ما تقوم به جماعات سجلها المالي والوطني
غير نظيف ، من أمثال الجلبي والسامرائي في العراق ، والعديد من مراكز الأبحاث والدراسات
المأجورة في مصر ... الخ ، هذه المرامي والأهداف للسياسة الأمريكية الجديدة ، الفوضى
الخلاقة والجدران العازلة والفاصلة ، هي خطيرة جدا ، لما لها من أبعاد وتداعيات ، إدخال
البلدان العربية والإسلامية في أتون حروب وصراعات طائفية ومذهبية وعرقية ، هدفها إبقاء
كامل المنطقة تحت النفوذ والسيطرة الأمريكية ، وبما يخدم مصالحها وأهدافها ، وبما يعيد
رسم الجغرافيا العربية والإسلامية وفق هذه المصالح والأهداف ، وهذا المهم لأمريكيا
والغرب ، أما القتل والذبح ، فما دام في إطار الشعوب العربية والإسلامية فلا ضير في ذلك
، فالغرب تربى وتعود وتشبع بالمفاهيم والأفكار العنصرية ، بأن العرب مجرد كم زائد لا
قيمة له ، فهل تدرك أمتنا العربية والإسلامية ، أنه لا بديل عن وحدتها واستخدام كل
إمكانياتها وطاقاتها في سبيل الدفاع عن وجودها وهويتها وقوميتها ، وأنا على ثقة بأن هذه
الأمة إذا ما امتلكت إرادتها وقرارها المستقل السياسي والإقتصادي ، ستصبح قادرة على
تجاوز محنتها وأزماتها ، وأمة عظيمة تمتلك هذه الإمكانيات والطاقات لا يمكن لها أن تبقى
على قارعة الطريق والخارطة العالمية ورهناً لإرادة هذا الطرف أو ذاك .
البريد الالكتروني
quds.45@gmail.com