هل يَفعل الاقتصاد ما يَعجَز عنه السلاح ؟
د. حسين البناء
15-08-2018 12:33 PM
الاقتصاد والسياسة هما أداتان لذات الغاية، وهي القوة، ولعلهما أيضًا وجهان للدولة. الاقتصاد يُولّد المال لشحن موازنة الدولة العامة و نفقاتها، و السياسة تصنع القانون الذي يُنَظّم الاقتصاد و يحميه.
قد ينجح الاقتصاد في تحقيق أهداف الدولة السياسية، في حين يعجز السلاح والقوة عن فعل ذلك.
الاتحاد السوفييتي انهار وتفكك عام 1991 بسبب العجز الاقتصادي و عدم القدرة على إدارة موارد الدولة و تمويل نفقاتها، بعد استنزافه في سباق تسلح (حرب النجوم) و حرب أفغانستان، وليس بسبب هزيمة عسكرية مباشرۃ.
النمور الآسيوية و بخاصة (ماليزيا و أندونيسيا) واجهت أزمة مالية عام 1998 بسبب مُضاربات في أسواق المال و العملات أدّت لكوارث اقتصادية هائلة أطاحت بسعر صرف العملات المحلية و التجارة و الاستثمار.
تركيا و إيران في الفترة الحالية تَمُر بأزمة حقيقة أضَرَّت بسعر صرف عملتها المحلية بشكلٍ مخيف، الأمر الذي سيجلب لها جملة عواقب اقتصادية سلبية تؤثر مباشرةً على الاستيراد و التجارة و الاستثمار و الثقة بالإدارة الاقتصادية، وسعر الفائدة و التضخم، الأمر الذي سينعكس على الحالة العامة للدولة و قدرتها على تسيير أعمالها وتمويل مشاريعها الداخلية و الخارجية.
الحكومة الأمريكية تضع رسومًا جمركية و تعرفة حمائية في وجه المستوردات من كندا و روسيا والصين و بعض دول أوروبا، و الرئيس (ترمب) يدعو لإعادة تقييم اتفاقيات التجارة بمختلف أنواعها مع دول العالم، مم يبدو انتكاسة لفكرة العولمة و تحرير التجارة، وكأن الرأسمالية تنقلب على ذاتها !
النفط يُشكّل موردًا أساسيًا لجملة من دول الإنتاج والتصدير، بدءًا بدول الخليج العربي، مرورًا بروسيا، وانتهاءً بإيران و فنزويلا.
هنالك رغبة (أمريكية و أوروبية) واضحة لتحجيم الدور الروسي الطموح في العالم، والدور الإيراني في الشرق الأوسط، و الاشتراكية البوليفارية بأميركا اللاتينية بزعامة فنزويلا، ربما سيكون الدور الاقتصادي هو الأكثر نجاحًا في ذلك، في ظل انحسار الرغبة في حروب غير مضمونة النتائج و عالية المخاطرة وغير شرعية.
ربما سنرى قريبًا عقوبات نفطية خاصة لضرب موارد إيران و روسيا و فنزويلا، في ذات الوقت سيتم اكمال القصة بأزمة مالية حقيقية كنتيجةٍ لمُضارباتٍ و مقامرات مالية عملاقة و قوية لضرب استقرار مؤشرات الاقتصاد التركي و الإيراني.
الإدارة الأمريكية المحافظة الحالية هي تجسيدٌ كاملٌ للعقل الأمريكي التقليدي؛ حيث رجل (الكاوبوي) أمام خيارين: إما المبادرة بإطلاق سريع للنار (الحرب السريعة) أو إبرام صفقة بأكبر مكسب و أقل خسارة.
واهمٌ من اعتقد بأن (الاقتصاد الرأسمالي الحر) يَسير كما يدعي (سميث و إنجيلز) في كتبهم، فما زال هنالك (يد خفية طولى) تتلاعب بالأرقام، والدليل قائمٌ في (سعر النفط العالمي) الذي لم يكن يومًا ذا علاقة بالعرض و الطلب، و هو واضحٌ في انهيار (البيزو المكسيكي) و (الليرة التركية) و (الريال الإيراني) و جملة عملات وطنية أخرى بدون أي سببٍ قابلٍ للفهم و التبرير.