الحروب في "شومان": المواطنة تحمي من أخطار تعدد الطوائف والولاءات
14-08-2018 12:23 PM
عمون - قال الباحث والكاتب الدكتور، خالد الحروب، إن "السجال العربي حول نشوء الدولة الحديثة يجب ان ينطلق من وعي تاريخي بالحضارات والمساهمة العربية التأسيسية في التحضر الإنساني"، معتبراً أن الشكل الوحيد الذي كان بالإمكان ان يؤول إلى بناء دولة عربية قوية هو الوحدة العربية.
ورأى أن المواطنة تعد جوهر الدولة الحديثة لارتباطها العضوي والتكويني بالأرض، والشعب، والسلطة النافذة - كما أن المواطنة القائمة على المساواة بين الافراد والتي توفر الحماية والرعاية والعدل لهم، تساهم، في "حماية الافراد من تعدد الولاءات القبلية والطائفية والدينية، وفقاً للحروب.
جاء حديث الحروب، في إطار محاضرة بمنتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس الاثنين، حول "هشاشة الدولة وضعف المواطنة في العالم العربي"، قدمه فيها للجمهور الإعلامي معن البياري، وأعتبر أن الدولة الوطنية هي الهدف النهائي لكل النضالات التي تسعى لامتلاك الحق في تقرير مصير الشعوب.
وقسم الحروب المجتمع إلى شرائح مختلفة؛ المجتمع العريض نفسه، طبقة الحكام وبطاناتهم القريبة، الجيش والعسكر، طبقة العلماء والفقهاء التي تمنح الحكام الشرعية وفي نفس الوقت تتحكم في المجتمع.
وقدم المحاضر بعض التأملات حول فهم البنية العضوية والتلاحم بين ما يمكن وصفه بهشاشة وشراسة الدولة في العالم العربي، وكذلك محاولة فهم ضعف المواطنة المُترافق مع تلك الهشاشة والشراسة.
فيما ألقى الحروب الضوء على بعض النظريات و"السيرورات" السياسية في التجربة التاريخية العربية والإسلامية، إزاء فكرتي الدولة والمواطنة، في ظل قيام فكرة الدولة الحديثة والمواطنة في السياق الاوروبي خاصة مع تبلور مفهوم السيادة مع صلح وستفاليا الشهير العام 1648، كما استعرض مرحلة قيام الدولة الحديثة في العالم العربي، بعد انهيار الدولة العثمانية ومغادرة القوى الاستعمارية للمنطقة والتأمل في سيرورة قيامها واسباب هشاشتها وشراستها وضعف المواطنة المرافقة لها.
ولفت إلى أن هناك إشكالية بارزة في مسألة تعريف الدولة في العالم العربي وربما في معظم الدول النامية، متسائلاً في هذا الصدد، ما هي الدولة فعلاً؟ ثم هل نستطيع فصل الدولة عن النخب الحاكمة هنا، ونقول ان الدولة - بحسب التعريف الكلاسيكي المعروف - هي توفر الارض والشعب والسلطة النافذة؟ وأن السلطة النافذة المقصود بها شكل جهاز الحكم الذي تديره حكومات ونخب تتداول السلطة بشكل دوري؟ وان الشعب المقصود بهذا التعريف هو شعب المواطنين الذين يملكون قرار تغيير السلطة عبر الانتخابات، وبالتالي هناك تناغم بين مثلث الشعب والسلطة المنتخبة والارض؟
وبشأن الدولة العربية الحديثة، رأى الحروب أن الدولة العربية الحديثة ولدت عبر ثلاثة سياقات تكوينية، الاول هو انهيار الدولة العثمانية وانكشاف البنى التقليدية العربية وهي التي لم تكن مُستعدة لمواجهة خيار الاستقلال كوحدات منفصلة، والسياق الثاني هو السيطرة الاستعمارية التي فرضت حدود الدول واشكالها، ثم تركتها في الشكل الجديد وغير الناجز للدولة الحديثة. والثالث هو نزعة العروبة وسيادة الافكار الوحدوية خلال حقبة الاستعمار وسنوات الاستقلال الأولى.
بينما عرف الحروب الدولة الحديثة، بانها "نتاج اوروبي وخلاصة سيرورات اوروبية سياسية، ودينية، وامبريالية، وطبقية، وصراعية خاصة في السياق الاوروبي، وقد ولدت وترسخت في خضم صراع طويل ومديد جسده بروز الحداثة السياسية في صراعها ثم انتصارها على الكنيسة والاقطاع، وايلولة ذلك كله تمثلت في إنتاج شكل سياسي تتقدم فيه مكونات الشعب، والارض، والسلطة النافذة على أية مكونات اخرى مثل الدين، والطائفة، والطبقة".
إلى ذلك، اعتبر الحروب أن المشكلة الكبرى في معظم التنظيرات للدولة الاسلامية تكمن في ان مبدأي المساواة والحرية ظلا معضلات تتحدى التسيس الاسلامي وفكرة الدولة الاسلامية حتى اللحظة (مساواة غير المسلمين، ومساواة المرأة بالرجل).
وبحسبه، فإن اهمية التأمل في التجربة الاوروبية الحديثة وقيام فكرة الدولة تتأتى من ان الدولة الحديثة في العالم العربي قامت على المنوال الغربي وليس على اي منوال يستلهم التجربة المحلية والتاريخية للمنطقة.
وفي تقدير الحروب، فإن الإنجليزي توماس هوبز، يعتبر الاب الروحي للدولة الحديثة؛ لأنه أكثر من فصل في خصائصها، إلى جانب اعتباره اياها الأساس الاول للمجتمع، رغم انه منح "الملك" سلطة مطلقة مقابل حماية الدولة وتوفير الحماية للأفراد، إلا انه اعتبر الافراد متساويين وان ثمة حكومة ممثلة تعبر عنهم.
واستعان الحروب في هذا السياق، بتجربة نظام ما بعد "وستفاليا" الأوروبي الذي حقق السلام بين الدول واختفت بعده الحروب الاوروبية، مؤكدا ان عدة اسباب وراء تحقق ذلك السلام، منها: "اكلاف الحرب الهائلة والمدمرة، وظهور توازن أكبر بين الدولة والمجتمع (عبر تكرس الديموقراطية) بما كبح جماح الدولة عن الانخراط في مغامرات عسكرية، كما خفت حدة التطرف والتسيس القومي، إضافة إلى بروز آثار السوق المشتركة وكونها وفرت الازدهار لكل المشاركين فيها".
من جهته، قال الإعلامي، معن البياري، خلال تقديمه للمحاضر، إن "من أهم شواغل الحالة العربية، منذ عقود، اختلال علاقة الدولة بالمواطن، وبالمجتمع، وبوظائف الدولة، واختلال هذه العلاقة، عربيا، ناتج من استحواذ الدولة على المجال العام، وعجزها عن تأدية مهامها بالشكل الضروري، وضعف الشعور العام بالمواطنة، تلك هي إحدى أسباب الأزمات الحادّة في دول عربية كثيرة".
وأضاف "على أي حال، أعتقد أن ضيف منتدى شومان، الصديق الحروب، هو من أبرز المثقفين والباحثين العرب انشغالا بهذا الموضوع، ومن الذين قدّموا اجتهاداتٍ ومساهماتٍ طيبة فيه، في دراسات وكتب ومقالات غير قليلة".
والحروب، مقيم في بريطانيا، يعمل استاذاً للدراسات الشرق أوسطية في جامعة نورث ويسترن في قطر، وهو باحث متقدم في كلية الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية في جامعة كامبردج ببريطانيا. يكتب في السياسة والفكر والإعلام والثقافة والادب، وله عدة مؤلفات منها "هشاشة الأيديولوجيا"، "جبروت السياسة"، "التيار الإسلامي والعلمنة السياسية"، وغيرها.
أما "مؤسسة شومان"؛ فهي مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار المجتمعي.