لم يخلص الأردن وعلى مدار عمر المملكة من المحاولات الارهابية بشتى انواعها وانماطها , والتي استهدفت المؤسسات الوطنية والعسكرية والحكومية والأهلية وقبل هذا وذاك كبار رجال الدولة والاشخاص العاديين و الاجانب الذين يعيشون في الاردن , حتى مواكب الملك الراحل لم تنجوا من محاولات الارهاب والارهابين .
واذ كان الاردن معرض على الدوام للإرهاب من جهات تتغير وتتبدل على مر العقود والسنيين , فاننا أمام مؤشر واضح أن لهذا البلد مواقف وثوابت لم ولن تكون محل تقدير من يعملون بالخفاء ولم يرضوا إلا الليل والسواد طريقا وتوقيتا .
الاردن ومنذ حملات التشهير والاساءة والتخوين في نهاية الاربعينيات والخمسينيات واستشهاد الملك المؤسس في باحات المسجد لاقصى ومرورا بالعمليات التخريبية واختطاف الطائرات ومرورا بمحاولات ما سمو جيش محمد بداية التسعينيات ومجموعة الأفغان الاردنيين ومرورا بإغتيال لورنس فيلي عام2002 وحادثة العقبة وصواريخ الزرقاوي ومحاولة خلية الجيوسي ورفاقه لتفجير عدد من المؤسسات وبمتفجرات زاد وزنها عن 20 طن وبالتالي قتل 60 الف فرد بالغاز الكيماوي ثم اعتداء مسلح داخل مركز تدريب أمني في الموقر وقضية اربد عام 2016 وقضية قلعة الكرك ومهاجمة مراكز الامن عام 2016 , وتفجير الركبان عام 2016 وكذلك اعتداء على مركز الامن (لمخابرات ) في البقعة , وها نحن اليوم نشهد قضية السلط والفحيص , لتكون واحدة من سلسلة محاولات لا اتوقع توقفها هنا , ولا اتوقع ان استهدافنا سيتوقف , وهذا يحتاج الى البدء الجاد بالتفكير الاستراتيجي الحقيقي لمحاربة هذا الفكر ليس فقط كشف الخلايا وابطال مفعولها , بل القضاء على الفكر الذي يدفع بهؤلاء لان يغمضوا اعينهم عن حقيقة الدين واعتداله ووسطيته ورفضه لقتل الروح التي حرمها الله إلا بالحق . للاسف , لم نتعلم منذ البداية ولم نستفيد من الدروس ولم نفكر بجدية إن مثل هذه الآفه لا يمكن معالجتها بالتسلح أو بالاستخباريات , أو المتابعة , والحد خطورة هذه الجماعات , فالاساس أن تكون هناك حمة وطنية تشارك بها المؤسسات التعليمية والتوجيهية والاعلامية , وخلق حالة من التربية الوطنية ترسخ المفاهيم الصحيحة للفكر الاسلامي وتظهر اعتداله وخطورة الفكر التطرفي الذي يريده خصوم الاسلام لتشويهه والاساءة اليه , حملة مستمرة تغسل افكار الشباب مما علق بها من مفاهيم ضلاميه وإرهابية وعشاق دماء المسلمين وتحمي شبابنا من الانغراس بمثل هذه الافكار مهما كانت الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
حادثة الفحيص والسلط ناقوس لا بد وان ننتبه له كثيرا ولا بد أن نتوقف عنده مطولا , وندرك ان القضاء على حشود داعش في بلاد الشام وما بين النهرين لا يعني انتهاء الفكر الداعشي , وان رسائلها رغم انها سخيفة إلا انها مؤلمة بمنظر الشهداء الابرياء الذين قتلوا بلا ذنب أو سبب غير الدفاع عن الوطن والقيام بالواجب وحماية حياة وارواح المواطنيين . وإذا تقلمت مخالب داعش وقبلها القاعدة وحوصرت ولم يتح لها ما كان سابقا , الا ان الفكر الارهابي دفعها لان تصنع قنابل تقليدية وتنفذ اهداف هذا الفكر بالقتل والخراب . , فمحاولت الارهابيين اثبات وجودهم وبقائهم , وتوجيه رسالة أخرى للرد على موقف الاردن بخصوص الداعشيين في حوض اليرموك وخاصة المنطقة الغربية , فهذا يدل على تواجدهم بيننا وتشبع افكارهم بهذا العمل الاجرامي , والرسالة الاخرى التي استقيناها من هذه الحادثة هي يقضة واستعداد اجهزتنا الامنية للإنقضاض على اي خليه او شخص يحاول الاساءة لحالة الامن والاستقرار , فكل محاولات الارهاب ومهما كانت الخسائر , انتهت بقتل واعتقال المنفذين وهي قناعة تولدت منذ فترة عند الارهابيين لهذا فان الحالة الفكرية المتولدة عند الذئاب المنفردة , هو نهايتهم في اي عبث يخططون له في الاردن وهذا ما فسر واقع تفجير المبنى قبل دخول قوات الامن الاردنية , مما يؤكد على ضرورة سرعة تنفيذ خطة فك الشيفرة الذهنية للمتطرفين , والتعامل معهم في السجون وفي المساجد وفي وسائل الاعلام , جنبا الى جنب زرع الفكر المعتدل والتعريف بحقيقة الاسلام وسماحته ونظرته للحياه من خلال التربية الوطنية في الكتب المدرسية والجامعية وغيرها .
الرسالة الاخرى التي برزت جراء هذه الجريمة فهي الموقف الشعبي الموحد والتزام المواطنين بالتعامل مع وسائل لتواصل جراء دقة ومواصلة الاعلام الاردني بالقيام بالواجب المطلوب على اكمل وجه ومنع وجود اي اشاعة وتوحيد مصدر المعلومة بالتصريحات الرسمية . مما رفع من مستوى ادارة الازمة من الجهات كافة .
يدرك الارهابيون ان التفكير بأي عمل داخل الاردن انما يقع ضمن اطار اللعب بالنار والنهاية المأساوية لهم , وأن الخبرة المتولدة عند الاردنيين , اجهزة وشعب ومؤسسات كافية وحدها ان تفسد كل الاطماع والاهداف التي يريدها المخربون الارهابيون . نترحم على الشهداء فهذه ضريبة الحق والإنتماء للوطن والوفاء لعقيدة الجندية والمواساة لقائد الوطن والإهله وذويه ورفاقه والشعب الاردني أجمع.