في السياق العام، لا تختلف أحداث الفحيص والسلط عن نسق مواجهات سابقة مع الجماعات الإرهابية في الأردن. تفجير بعبوة بدائية الصنع في الفحيص قاد الأجهزة الأمنية وبسرعة قياسية للخلية الأم في السلط كانت تتحصن بمنزل هو في حقيقة الأمر مستودع للمتفجرات والأسلحة بأنواعها.
في عملية قلعة الكرك حدث تطور مشابه؛ إذ قادت الأحداث رجال الأمن لمنزل معزول في بلدة قريفله استخدم لدعم المجموعة الإرهابية ومدها بالسلاح.
الفعالية الأمنية والاستخبارية كانت في أعلى مستوياتها؛ تمشيط مبكر لعديد المواقع المشتبه بها في محيط مدينة السلط، أوصل قوات الأمن لعناصر الخلية، الذين تظهر الأدلة والبراهين أنهم كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية كبرى، خزنوا لأجلها كميات ضخمة من المتفجرات كانت تكفي لهدم مبنى من أربعة طوابق كما شاهد الملايين من الناس.
في عمليتي إربد والكرك من قبل، حال التدخل الاستباقي من قوات الأمن دون وقوع هجمات إرهابية قاتلة، وفي السلط تحققت النتيجة نفسها. وكان الثمن على الدوام دماء طاهرة لشهداء الواجب من منتسبي القوى الأمنية.
تشير المعلومات الأولية عن عملية السلط إلى أن أعضاء الخلية؛ من قتل منهم ومن تم إلقاء القبض عليه، هم من
حملة الجنسية الأردنية، وبعضهم من المعروفين بانتمائهم للجماعات الإرهابية. وعلى شاكلة عمليتي إربد والكرك، اختار الإرهابيون التحصن في منزل بحي سكني لدرء الشبهات، والتخطيط لجرائمهم من دون لفت انتباه الأمن.
تفجير الفحيص ربما كان مجرد عملية أولية للفت الأنظار ومن ثم شن هجمات مميتة في مواقع أخرى حيوية، لكن سرعة التحرك الأمني أفشلت مخططاتهم. ونذكر أن عملية الكرك لم تكن لتأخذ هذا المنحى لولا مداهمة رجال شرطة لمنزل الخلية في القطرانة، واضطرارهم للهروب صوب مدينة الكرك والتحصن في قلعتها التاريخية.
مسار الخلايا الثلاث في إربد والكرك والسلط يلتقي عند نقطة مشتركة أساسية، وهي أن التنظيم الإرهابي ما يزال قادرا على التحرك في بيئاته التقليدية، رغم انهيار مركز التنظيم في سورية والعراق، والضربات الأمنية التي تلقاها من الأجهزة الأمنية الأردنية. ويعتمد في نشاطه على عناصر قديمة ووجوه جديدة لم يسبق لمعظمها أن خرج للقتال مع التنظيمات الإرهابية.
الحالة الأردنية هذه تلتقي مع ظواهر مشابهة في دول كثيرة حول العالم، فسنوات الصعود الأخيرة للجماعات الإرهابية وفرت لها أنصارا وأتباعا في كل مكان، ما يزالون على استعداد لتنفيذ عمليات إرهابية، هي في جوهرها عمليات انتقامية يائسة بعد كل ما طالهم من هزائم وملاحقات أمنية شلت قدرتهم على التجنيد والتمركز كما كان الحال في سورية والعراق.
الفرق في الحالة الأردنية، أن المنتمين لفكر التيار الظلامي مكشوفون تماما للأجهزة الأمنية، ولو كان الأردن من الدول التي لا تحترم القانون وتلتزم فيه لأمضى هؤلاء حياتهم في الزنازين والسجون، لكن طالما منحوا فرصة للعودة للحياة الطبيعية، وهم للأسف يرفضون هذا الخيار العادل، ويصرون على طريق الموت، فتكون النتيجة واحدة في كل الحالات؛الموت حرقا في منزل بإربد، أو القنص على عتبات قلعة الكرك الأبية، أو تحت أنقاض منزل في السلط زرعوه بالمفخخات، فكانت من نصيبهم. مثل هؤلاء لا يستحقون إلا الموت.
الغد