شهداءُ الوطنْ .. طُوبى لكم
المهندس عصمت حداد
12-08-2018 01:57 PM
لستُ أدري مِن أينَ أبدأُ الكلامَ والقلبُ ينزف دَماً ، والنَفْسُ غائمةٌ بكل هذا الحزنْ ، والألمُ يُخَيِّمُ كغيمةٍ سوداءَ على بلادنا ، الغيمةُ السوداءُ في السماءِ تَحْجُبُ نور الشمسِ .. لكنها تَحْملُ في طَيَّاتِها مطراً وطُهْراً وأملاً بالخيرِ والعطاءِ عندما تُمْطِرْ ، وشُهَداؤُنا الأبطالُ .. شهداءُ الوطنِ والواجبِ أدركوا بِأنَّ الغيمةَ أمطرتْ طُهراً عندما لوَّنتْ دماؤُهمُ الطاهرةُ ترابَ الوطنِ .. وذلكَ بالتصدي للعصاباتِ الإرهابيةِ والمجرمينَ في مدينة السلط الأبيَّهْ .
يا شهداءَ الوطنْ : بِأَيِّ أسلوب أنعيكُمْ ، وبِأَيِّ كلماتٍ أرثيكمْ ؟!! ؛ فالكلماتُ رحلتْ ، وخَيَّم الصمتُ وتناثرتْ روائحُ الموتِ في كل الاتجاهاتِ ، وبَلَغَ قلبي أعلى حُنجرتي ليخرجَ من جوفي .. وأنا أبحثُ عن كلماتٍ تليقُ بكمْ ؛ فلقد أجدتُ مِن قبلُ صناعةَ الكلماتِ ، لكنَّني اليومَ أضْعَفُ من كل الحروفِ والكلماتْ ، ولطالما بحثتُ في كل ذاكرتي.. ولم أجد شيئاً يُعبِّرُ عن ما يجول بخاطري ، فَلا أستطيعُ السكوتَ ولا يمكنني الكلامْ ، المقتولُ أنا والمذبوح أنا ، فعذرًا يا نفسي .. ومعذرةً يا شهداءَ الوطنِ .. فلكلِّ نهارٍ مغيبْ ، ولكنَّ شمسكم أبداً عَنَّا لن تغيب ، والله إنَّ القلبَ يعتصرُ ألماً.. وجفتْ من مُقَلِنا الدموعُ ، وعزاؤنا الوحيدُ .. هو أنكمْ شبابٌ نذرتم أنفسكم قرابينَ ليبقى الوطنُ شامِخٌ قويٌّ في وجه المتطرفين والغادرين ، شبابٌ .. قُلتمْ لكل الخونةِ والمتآمرينَ : بأنَّهُ ومهما تعددتْ أساليبكمُ الإرهابيةُ وتنوعتْ.. فإنكم لن تستطيعوا انتزاع أردنيتنا المتجذرة في نفوسنا .
يا شهداءَنا .. يا من لونتم بدمائِكم ترابَ الوطنِ .. فأصبحَ أقدسَ المقدساتِ ، ويا من هانتْ عليكم أرواحُكم وأجسادُكم فداءً للوطن والأرض والعِرضْ : بدمائِكمُ التي روت تراب هذا الوطنِ ، وبدموع أمهاتكم وأحبتكم وأطفالكم.. سيبقى الأردنُّ شامخاً أبيَّاً وعَصِيَّاً على كل غاصب ، سيبقى ترابُ الأردنُّ طاهراً .. بتضحياتكمْ ، وستسوَدُّ وجوهُ كلِّ من تآمر عليهِ ، وتبيَضُّ وجوهُ إخوتكم الأردنيينَ ، وستعلو أقدامَ جيشنا الصامدِ صدورَ ورؤوسَ الخونةِ والمجرمينْ .
أيها الراحلون من دون وداعٍ : إنَّ الترابَ الذي كان يتطايرُ من تحتِ أقدامكمْ .. هو كُحْلٌ لعيوني ، وهو أثمن وأغلى وأعلى من هاماتِ الحاقدينَ المأجورينَ .. عشاقَ الجرائمِ والآثامِ والدِّماءْ ، وأحذيتكُم وبساطيرُكُم .. هي أسمى وأعلى وأغلى مِن كل الرؤوسِ المنخورةِ والمحشوةِ بالغباءِ والقذارةِ والنتانهْ ، فيا عِزَّتَنا وشموخنا .. إنكم باقون في عالم الذكرى ، إنكم تعيشون في ضمائرِ الأخيارِ والشرفاءْ ، سنظلُّ بذكراكم نُسَبِّحْ ، وبأسمائِكُم نُرتلْ ، وبطولاتِكم .. ستظلُّ مساميراً مزروعةً في نفوسِ الحاقدين والمسعورينْ .
طوبى لكم يا شهداءَ الحقّ ، طوبى لكم يا شهداءَ الواجِبِ ، إننا ننحني إجلالاً أمامَ عظمتكم .. وأنتم ترتقونَ كالشُّهُبِ في السماءْ ، أنتم الباقونَ في الذاكرةِ ، وبكم تشمخُ الأوطانْ ، ذكراكم لن تموتْ ، ها هيَ الجنَّةُ شَرَعَتْ أبوابها لِتستقبِلُكُم .. فاستحقيتُمُ الخلودَ الذي لا ينالُهُ إلا الشُّرفاءُ المناضلونَ دفاعاً عن ترابِ الوطنِ وصَونَ كرامته ، ستبقى سيرتكمُ العطِرَةُ .. قناديلاً لِمعنى الكرامةِ والحُرِّيهْ ، ستبقى سيرتكم العطِرةُ .. مشاعلَ حقٍّ لمعنى النَّصْرِ والإرادةِ .. ولحناً مكلَّلاً بالغارِ والياسمينْ .. وعنواناً صادِقاً لوجودنا وكرامتنا .. ونهجاً أردنيَّاً ضارباً في عمقِ التاريخِ والحضارهْ ، سلامٌ عليكم يا زنابقَ التضحيهْ .. يا عناوينَ الفِداءْ ، أنتمُ الأحياءُ والأحياءُ أنتم ، لقد صنعتُم منَ الموتِ أُنموذجاً نفتخِرُ بهْ ، أنتمُ النَّصْرُ والنَّصْرُ لا ترويهِ إلا الدماءْ .
وداعاً أيها الأبطالْ .. إنَّ القلبَ لَيَحزنْ .. وإنَّ العَينَ لَتدمَعْ .. وإنَّا على فُراقِكم لَمحزونونْ .
رحِمَكم الله .. وإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونْ.