عن الصفحة المطوية من تأسيس الأردن
عاطف الفراية
01-05-2007 03:00 AM
زمان حين كنا ندرس التاريخ في المدرسة مقترنا بالجغرافيا في مادة (الاجتماعيات) كنا نتساءل تساؤلات طفولية عن العلاقة بين التاريخ والجغرافيا وسبب جمعهما في مادة واحدة.. فالأول يقص علينا الحكايات والثانية تعلمنا رسم الخرائط.. وبالتأكيد لم نكن سمعنا بالجغرافيا السياسية أو الجيوبولوتيكا.. والطالب في بلدنا ينتهي من مرحلة الدراسة في المدرسة بل ومن المرحلة الجامعية دون أن يعرف الكثير عن الأردن في النصف الأول من القرن العشرين وما سبقه، وتكاد معلوماته تنحصر في الثورة العربية الكبرى والاستقلال ، مما يترك تلك الفترة نهبا لمن يشاء من المتأولين، أو الذين يتعاملون مع الأردن حسب نظرية الخمسينيات التي يذكر فيها البعض حول الأردن مصطلحات من مثل (الدولة المعلقة) (أو النظام التجريبي) وما إلى ذلك.
ويصور البعض الأردن على أنه مكان أجرد خاو بلا سكان جاء إليه الناس من جغرافيات متعددة وأنشأوا فيه دولة.. ولا يخلو مثل هذا التوصيف من رسائل إلى القوى العظمى مفادها أو إشارتها أنه كيان لا يستحق أو لم يتأهل أهله لتكوين دولة من حيث المبدأ والإمكانات والسكان الأصليون والجذور التاريخية. ويبقى تأويل الأمر خاضعا لهوى الأنفس.
ودائما ما يحدثك الناس عن ضرورة البحث في الوثائق البريطانية التي يفرج عنها كل خمسين أو ثلاثين عاما _ على ما أسمع _ لتتمكن من الاطلاع على تاريخ بلدك وذلك لسد النقص في مثل هذه الثقافة التي ينبغي أن تتولاها الهيئات الرسمية من مثل وزارة الثقافة والتربية والتعليم . والإعلام.. إذ رغم أن الإعلام قد ثقفنا في (الجغرافيا التاريخية) للمكان الأردني ومعارك الفتوح الأولى ومقامات الصحابة والقصور الصحراوية عودا إلى قصة أهل الكهف والرقيم تعريجا على ميشع المؤابي ومسلته ..وكل ما من شأنه أن يحسب (شأنا سياحيا) .. أي ما من شأنه أن تكون السياحة هي الدافع لترويجه إعلاميا ـ وإن كانت تلك من المنافع الثقافية المتأتية من الترويج السياحي مصادفة ـ إلا أنني أعني هنا أن يكون الدافع والمنطلق مختلفا تماما..
ثم بعد ذلك يشعر المرؤ أن البلد قد غاص في الرمال قرونا.. وبعث من جديد. إذ تنقطع صلة التاريخ بالجغرافيا في كثير من الأزمان خصوصا الفترة التي سبقت تأسيس الدولة الحديثة مباشرة..
وإذا كان من مصالح التأسيس في أية دولة حديثة التأسيس أن يكون لها مؤرخوها المتخصصون في تسويغ ما من شأنه تثبيت أركانها.. فإن التأسيس ذاته قد انتهى كمرحلة.. وأصبح الأردن بلدا واقعا منذ عقود.. واستقر من فيه موالين ومعارضين تحت سقف دستوره الملكي النيابي .. وسكانه من مختلف أصولهم تجمعهم صفة المواطنة كما هو مفترض.. ومعارضته دستورية تطرح نفسها كأي معارضة أخرى كنوّاب في البرلمان، وفي أعلى طموحاتها كحكومة محتملة القيام كما هي محتملة الرحيل أو التغيير.. وهكذا.
فما الذي يضير الأردن ومؤسساته الرسمية في تقديم التاريخ الحديث وعلاقته بالجغرافيا الأردنية ؟ ولماذا تبقى لدينا مصطلحات من مثل (صفحات مطوية) وما الذي يضيرنا لو عرف طلابنا منذ الصغر كيف نشأت الدولة ومن كان سكانها وكيف كانت معيشتهم وماذا كان دورهم في تأسيس الدولة ؟ ومن كان مع التأسيس ومن كان معارضا.. وأعدادهم وما شاكل ذلك.. لماذا يشعر الطالب حين يدرس تأسيس الخريطة السياسية الحديثة في المنطقة أن بلده بلا جذور؟
فهو أي (الطالب) الذي سيكون قريبا مثقفا وكاتبا وسياسيا وإداريا و..الخ من الذين يقودون حركة الحياة بأسرها .. يعرف الكثير عن الأحداث في الدول العربية الأخرى .. كما أنه يعرف الكثير من الشخصيات العربية التي ساهمت في صنع تاريخ الفترة موضوع الحديث على الصعيد السياسي ممن كان لهم أدوار إيجابية أو سلبية على حد سواء.. لأن التاريخ تاريخ وليس محكمة للشخصيات.. والأصل ألا يكون معنيا بإضاءة شخص ساهم في إيجاد الدولة الحديثة .. وإطفاء أو إلغاء شخص كان له رأي أو موقف آخر.. إذ لو كان الأمر كذلك لما سمع المصريون بأي من الفراعنة الذين عذبوهم.. ولما اعتزوا بالأهرامات التي أصبحت مثل النيل أهم إشارات الهوية الوطنية لديهم، لأنها (أي الأهرامات) أكبر شاهد على استعبادهم وتشغيلهم بالسخرة .. كما هو الحال تماما في شأن قناة السويس..
لماذا (خميس بن جمعة... مثلا) يعرف الكثير عن سعد زغلول.. والمهدي.. والسنوسي.. وعبدالله النديم.. والجزائري.. والخطابي.. ويوسف العظمة..وأم كلثوم .. وآل الرشيد في نجد (مثلا..).. ولا يعرف شيئا عن صايل الشهوان وماجد العدوان وصالح النجداوي وعودة القسوس وصياح الروسان وحسين الطراونة وحمد الجازي وعودة بو تايه ومثقال الفايز وقدر المجالي وكليب الشريدة.. مثلا.. مثلا فقط.
Amann272@hotmail.com