في القرآن الكريم عشرات الآيات التي تشير الى قيمة العربية، كثقافة وحرف شريف، والى التصاقها بالدين الاسلامي «كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون»، «وهذا لسان مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين» .. الخ، وفي السياقات التاريخية ايضا حقائق تشير الى هذا التماهي: فالعرب مثلوا مادة الاسلام وقوته البشرية والروحية فانتصر بهم وانتشر، والاسلام ساهم بتغيير الواقع العربي وافرز قيما ونظما غيرت هذا المجتمع، كما عزز الاسلام مفهوم الامة العربية وراعى غيرهم من الاجناس وحولهم الى امة واحدة بمفهوم انساني قل نظيره، وعليه فالفصل بين العروبة والاسلام يتنافى مع ابسط قوانين تطور المجتمع العربي ونهضته.
اذا، لا يوجد بين الاسلام والعروبة تضاد او تناقض، فقد نشأ الاسلام في قلب العروبة وافصح عن عبقريتها احسن افصاح، ونزل على العرب اولا وبلسانهم، وانتشر في العالمين بعزمهم، كما جاءت في العربية آيات محكمات تذكرها بالذات، وتشيد بها بالاسم.
واذا كان الاسلام دينا يتضمن قيما وفكرا وتشريعا ومنهجا، فالعروبة حالة انسانية تنطلق من اللغة والتاريخ والتقاليد والعادات، ولا مشكلة عندئذ في ان يكون المرء مسلما وعربيا في آن، كما لا مشكلة ان يكون مسلما وحاملا لاية قومية اخرى، فما يميز الاسلام انه اعترف بالتعددية والاختلاف واعتبرها فريضة وواجبا، محرما في ذات الوقت التصادم بين دين المرء وقوميته او نسبه، فالمسلم الجيد وطني جيد وقومي جيد.. وانسان جيد ايضا.
لكن ذلك لا يعني ان المسلمين فقهوا هذا الجانب، او ان دعاة العروبة والقومية فهموه ايضا، فقد بدأ الصدام في مراحل تاريخية مختلفة بين دعاة الشعوبية اوالقومية وبين دعاة الاسلمة، ولم تكن المشكلة دفاعا عن الهوية، فخطر الهوية مصدره كان دائما خارجيا، لكن الانقسام جاء من خلفية محاولة ادلجة العروبة او القومية او الاسلام بعد ان استورد البعض مفاهيم من خارج الحدود، او استغرقوا في العصبية التي انكرها الاسلام، او جاءت ردودهم - كما فعل بعض الاسلاميين - على ممارسات ما انتهجتها بعض الانظمة التي حملت لواء القومية وجيشت قواها ضد الحركات الاسلامية، ومن هنا بدأنا نسمع عن فكر اسلامي في مقابل فكر عروبي او قومي او عن ثنائيات جديدة لخصخصة الهوية، فيما الحقيقة ان اي تهديد للهوية العروبية هو تهديد للهوية الاسلامية، كما ان اي انجاز يصب في الدائرة الاسلامية يفضي بالنتيجة الى الدائرة العربية ايضا.
اسلاميون ام قوميون، لا فرق، ما دام ان ذلك التنوع في اطار الدين الواحد والحضارة الواحدة والعقد الاجتماعي والانساني الذي دعا اليه الاسلام، لكن الخوف يبدأ من التعصب و»الادلجة «، والطرح المتداول احيانا لاي من هذين المفهومين كبديل عن الاخر.. اما ما سوى ذلك فالعروبة والاسلام، اطار وصورة، يكملان بعضهما بعضا
الدستور