اقر الكنيست الاسرائيلي في 19-7-2018 قانون الدولة القومية لليهود بأغلبية 62 ومعارضة 55 وبامتناع نائبين عن التصويت, وهذا يعني عمليا عدم الاعتراف بالأخر وقبوله والتميز ضده في معظم الاحوال ,ولهذا احتج عليه العرب والدروز في داخل اسرائيل, لأنه يعتبر قانونا عنصريا لا يعطيهم اية حقوق متساوية مع بقية المواطنين وخصوصا الذين يعتنقون الديانة اليهودية.
واما بالنسبة لبقية العرب فاعتبروه رصاصة الرحمة لخيار السلام . ايران كانت علمانية ايام الشاه, ثم اندلعت الثورة التي وصفت بانها دينية , حيث اراد القادة الجدد في ايران الاسلامية تسخير الدين لخدمة اهداف سياسية او توسعية ,فوقف العالم اجمع ضدها ومنهم العرب , وكذلك كان هناك بعض المحاولات للدول العربية لقيام وحدة بينها على اساس قومي , ثم ما لبثت ان انقضت على بعضها البعض وانتهى بها الحال متفككة ,لان العالم حارب فكرتها القومية باعتبارها فكرة عنصرية , كذلك وقف العالم ضد القادة الصربيين الذين ارتكبوا مذابح ضد المسلمين على اساس عرقي وديني ابان حرب البوسنة والهرسك. الشعب اليهودي مر ايضا بتجربة مريرة وصفها بعض المؤرخين بانها من ابشع الجرائم في التاريخ البشري , وهي مذابح الهولوكوست التي راح ضحيتها الملايين منهم في الأربعينات من القرن الماضي على ايدي النازيين ,فقط لانهم يهود, ولهذا من المفترض ان يكون الشعب الاسرائيلي وقادته الاكثر وعيا وحرصا على عدم الانزلاق بهوة العنصرية او القومية او الطائفية الدينية التي تؤجج مشاعر الكراهية ضد الاخرين, وتصبح وقودها الذي لا ينضب .
اذا كانت الدولة يهودية او مسيحية او مسلمة او بوذية الهوية ,فهذا لا يعني ان مقومات الحياة او الاستمرارية ستتضاعف ,بل ما يزيد الدولة قوة ومنعة هو مبادئها الانسانية وقبولها للأخر بما في ذلك التنوع والاختلاف البشري في المعتقد او الاصل .
ادوات العصر الحديث لحفظ الامن لأي دولة ,هو انحيازها و احترامها التام للقانون الدولي وترجمة المبادئ العامة لحقوق الانسان, اما تغير الدستور والتأكيد على انها دولة هويتها دينية ,او قطرية, او قومية ,فهذه السياسات اكل وشرب عليها الدهر, واثبتت تجارب شعوب العالم في التاريخ القديم والحديث انها تقود الى التهلكة , وانه لا مفر من انتهاج سلوك سلمي مبني على مبادئ الدولة المدنية الحديثة التي تبنى مؤسساتها وتدير حياة شعبها على الاسس العالمية لمبادئ حقوق الانسان . سياسة قادة اسرائيل بترجمة احلام الاقلية من المتدينين من شعبهم الى واقع نجحت , لكنها ذكرتني بقادة ايران الخمينية او بعض القادة العرب او الصرب او الاخرين في العالم الذين انحدروا في هوة العنصرية والكراهية و قادوا بلادهم على طريق التدمير الذاتي .
والسؤال المطروح هل قانون الدولة القومية لليهود سيؤمن السلام والرفاهية لشعبهم ويحمي دولة اسرائيل , والجواب بالتأكيد لا. اكثرية شعب اسرائيل من العلمانيين التي تصل نسبتهم الى حوالي 42% حسب دائرة الاحصاء الاسرائيلية .
في الماضي كان العرب يريدون رمي اسرائيل في البحر, ولكن بعد نصف قرن اقتنعوا ان السلام هو الخيار الوحيد بينهم وبين اسرائيل, وبما ان التعنت يأتي من اسرائيل وليس من العرب, فلذلك يقع العبء الحالي على الشعب الإسرائيلي وخصوصا من القوى العلمانية لاختيار قادة شجعان يؤمنون بالسلام كمصير مشترك وطريق وحيد مع جيرانهم العرب والفلسطينيين, لتحقيق اماني شعوب المنطقة المتشوقة للسلام . واما بالنسبة للعالم العربي , فأقول لهم بما انكم ابدعتم في صرف مئات الملايين على القنوات الفضائية , واثبتوا قدراتكم الفائقة في التخطيط السليم في استخدامها , وخصوصا في نشر فوضى الربيع العربي ,فادعوكم لتخصيص قنوات فضائية تخاطب الرأي العام الاسرائيلي, وخصوصا المتدينين منهم الذين يمثلون ما نسبته 25% من الشعب الاسرائيلي, لاستمالتهم لصالح السلام.
waelsamain@gmail.com