في مواجهة الوقائع السوداوية السائدة على أرض فلسطين والصراع المتقطع المتواصل بين المشروعين المتناقضين : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وبين الروايتين والشعبين، والسجال التصادمي بينهما، سجل فيها ومن خلالها المشروع الاستعماري الاسرائيلي، نجاحات تراكمية دللت على تفوقه الملموس، ولكن ثمة عوامل نجاح سجلها أصحاب المشروع الوطني الفلسطيني وأدواته، عكست عوامل القوة الكامنة لديه، وامكانية نجاحه وانتصاره، حاملاً أفاق توجيه الهزيمة لعدوه الذي لا عدو له غيره، فهو الذي يحتل أرضه ويصادر حقوقه وينتهك كرامته.
أولاً : على الرغم من عوامل التشريد والابعاد واللجوء والتهجير لحوالي نصف الشعب العربي الفلسطيني عن أرض وطنه الى بلدان الشتات والمنافي، فقد صمد نصف الشعب الفلسطيني على أرض وطنه في منطقتي الاحتلال الأولى 1948، والثانية 1967، مسجلين حضوراً يفوق الستة ملايين نسمة يشكلون القاعدة الحيوية وأداة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني على كامل أرض فلسطين، وهم يمثلون شعباً، وليسوا أقلية أو مجرد جالية ضعيفة، بل شعب ينمو على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه وهم بهذا العدد يواجهون الاسرائيليين الذين يبلغون ستة ونصف مليون يهودي اسرائيلي، أي أن العدد متقارب نسبياً في هذا السياق، والوجود البشري الفلسطيني أهم عناصر الصراع واستدامته.
ثانياً : يتميز هذا الشعب أنه بكل شرائحه وطبقاته يرفض المشروع الاستعماري التوسعي العنصري الاسرائيلي، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، وقد فشلت السياسات الاسرائيلية في كسب ولو شريحة فلسطينية واحدة لصالح مشروعها لأنها أحادية عنصرية متسلطة كاره للأخر دينياً وقومياً وانسانياً، وتتصرف بتعالي عنصري بغيض، مما يُسبب عمق الفجوة بين الشعبين والقضيتين والروايتين والمشروعين، ومن هنا تبرز أهمية صمود الشعب الفلسطيني وضرورات دعمه واستمرارية بقائه في مواجهة سياسات العدو الاسرائيلي الذي يعمل على جعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وشعبها بالافقار والقمع واغلاق فرص الحياة.
ثالثاً : امتلاك الفلسطينيين لقيم التعددية وأدواتها والاقرار بها انعكاساً لوعيهم وتراثهم فهم من المسلمين والمسيحيين والدروز، وسياسياً لديهم فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد والشيوعيين والقوميين والاسلاميين، مما يوفر لهم فرص الاجتهاد والتعدد في الرؤى ويحول دون هيمنة وتسلط شخص أو حزب أو فريق يمكنه المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني ويحول دون التوصل الى تفاهمات أو اتفاق لا يتفق وحقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني، والتعددية هنا مصدر قوة وأداة اثراء، اذا أجيد التعامل معها باتجاه التوصل الى البرنامج السياسي المشترك بين مكوناتها والقواسم المشتركة لأفعالها ومضامينها، لا أن تتحول الى أداة تخريب وانقلاب وأحادية وانقسام كما هو الوضع اليوم بين فتح وحماس، الذي دمر وعطل وأعاق تطور واستمرارية النجاح التراكمي للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.
رابعاً : يتفوق الفلسطينيون عن المستعمرين الاسرائيليين امتلاكهم لعدالة قضيتهم وسلاحهم السياسي الفعال على المستوى الدولي، عبر قرارات الأمم المتحدة المنصفة لصالحهم وهي : قرار التقسيم 181، وقرار عودة اللاجئين 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، وليس انتهاء بالقرار 2334 الصادر يوم 23/12/2016 ضد الاستيطان والمستوطنين، اضافة الى قرارات الجمعية العامة واليونسكو وجميعها تشكل سلاحاً بيد الفلسطينيين، ولهذا تقف حكومات المستعمرة الاسرائيلية ضد كل هذه القرارات وترفض الانصياع لها وعدم تنفيذها.
في ضوء ذلك سجل الفلسطينيون نجاحات تراكمية وخطوات تدريجية جعلت من المجتمع الدولي يتقدم ولو بطيئاً لصالحهم، وعلينا أن لا نقلل من قيمة موقف المجتمع الدولي وأهميته، فقد نجحت الصهيونية في تحقيق برنامجها عبر عاملين : أولهما مبادراتها التنظيمية والسياسية، وثانيهما انحياز المجتمع الدولي لها، والنضال الفلسطيني يسير أيضاً في سياق هذا العمل الموازي حيث العمل والتنظيم والكفاح على الأرض في مواجهة العدو واحتلاله ومظاهره من جهة، ومن جهة ثانية حيث العمل في كسب انحيازات دولية لعدالة القضية الفلسطينية وشرعية مطالبها.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.