توصية منتدى الاستراتيجيات الأردني برفع الحد الأدنى للأجور من 220 دينارا إلى 250 دينارا لن تعجب القطاع الخاص أبدا، فكلما حضرت سيرة رفع الأجور ينتفض أصحاب الشركات الصناعية والتجارية وقطاع الخدمات، ويطلقون إشارات التحذير من عواقب الخطوة.
القطاع الخاص الأردني يتحمل مسؤوليات كبرى في التشغيل وخلق فرص عمل أضعاف ما تقدم الحكومات، ويعاني أكثر من غيره من تبعات التباطؤ الاقتصادي وتراجع نسب النمو والأعباء الضريبية التي تثقل كاهله.
لكن بقاء الحال من المحال. دراسة المنتدى الذي يمثل في الأصل مجتمع الأعمال في الأردن، تشير إلى أن هناك قرابة 60 ألف عامل من منتسبي الضمان الاجتماعي يتلقون أجورا أقل من الحد الأدنى للرواتب، نسبة كبيرة منهم من العاملين في المناطق الصناعية المؤهلة،كونها غير ملزمة بهذا الشرط.
وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها غالبية الأردنيين من أصحاب الدخول التي تزيد عن الحد الأدنى للأجور، تغدو حياة هذه الفئة الاجتماعية العريضة أسوأ ممن يتلقون المساعدة الشهرية من صندوق المعونة الوطنية.
من الناحية الأولية، ليس ثمة مبرر لاستمرار إعفاء شركات المناطق الصناعية من شرط الحد الأدنى، فإذا كان هذا الامتياز محفزا لجذب الشركات، فإنه لم يعد منطقيا بعد استقرار عمل هذه الشركات لسنوات طويلة في الأردن، وما تحصل عليه من منافع تصديرية للسوق الأميركي.
وعلى المستوى الوطني اتضح بالتجربة العملية أن تدني الأجور يساهم في زيادة معدلات البطالة في صفوف الأردنيين، لحساب العمالة الوافدة. فبحسبة بسيطة ماذا يجني عامل يتقاضى 200 دينار من عمله في مصنع بمدينة سحاب الصناعية مثلا، يحتاج يوميا إلى دينارين أو يزيد للتنقل من مكان سكنه إلى عمله؟
تكاليف النقل مثلما أشارت الدراسة تشكل تحديا كبيرا للعاملين بأجور منخفضة، ففي الدول التي يقترب معدل الأجور فيها من الأردن، يحصل العاملون على خدمة نقل شبه مجانية، وتأمينات صحية معقولة، بينما الواقع في عديد قطاعاتنا, دون تعميم طبعا،لايبعث على التفاؤل في ظل تدني الأجور لأقل من الحد الأدنى،وغياب الضمانات الاجتماعية والصحية والحوافز الوظيفية.وقد أظهرت دراسة سابقة لمعدلات الأجور في الأردن تقدم القطاع العام على الخاص من حيث قيمة الرواتب وسلة الضمانات الوظيفية.
ينبغي على الحكومة أن لا تهمل توصية منتدى الاستراتيجيات، وتشرع في نقاش مع ممثلي القطاع الخاص حول الحد الأدنى للأجور،لأن المعادلة القائمة لايمكن أن تصمد طويلا في ظل التدهور المستمر في مستوى معيشة المواطنين وتراجع القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وعلى القطاع الخاص أن يتحلى بقدر من المسؤولية المعهودة، للوصول لمعادلة تضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة للعمال والموظفين،وقد يكون ذلك مقابل حوافز وامتيازات من الحكومة للقطاع الخاص. ومثلما أشار المنتدى في دراسته، فإن الزيادة المقترحة ستشجع العاطلين عن العمل بالإقبال على الوظائف المعروضة في سوق العمل، وفي ذلك مساهمة وطنية في التخفيف من معدلات البطالة الآخذة في الارتفاع.
الغد