التحديات الداخلية والخارجية للأردن في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية (1-2)
أ.د. أمين مشاقبة
08-08-2018 03:40 PM
إن الدولة الأردنية تواجه تحديات وتهديدات داخلية وخارجية تشكل خطراً واضحاً على أمنه واستقراره وهي على درجة عالية من الجدية والأهمية بحيث لا يمكن اغفالها من قبل دوائر التخطيط السياسي الاستراتيجي والأمني ومتخذي القرار في الدولة.
ان المشهد الإقليمي الدولي والداخلي أيضاً يفرضان على الأردن وسياساته الوطنية أعلى درجات الحذر وضرورة التكيف السياسي مع المتغيرات المتسارعة، وأهمية الاستمرار بحشد الجهود والطاقات الوطنية والبشرية والمادية وتوظيفها التوظيف الأمثل لبناء القوة الذاتية القادرة على الحفاظ على أمن الوطن واستقراره على جميع الصعد من أجل مواجهة التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية. ومن المأمول بناء شبكة من علاقات التعاون والتحالف الإقليمي والدولي بشكل متوازن تضمن تحقيق مصالحه الوطنية العليا.
إن توسيع شبكة العلاقات الإقليمية والدولية وتنويعها يشكل ضرورة قصوى إذا ما أخذنا المعاناة الاقتصادية التي يعيشها الأردن منذ عدة سنوات وحالة القفز عنه ومحاولة تهميش دوره المركزي لواقعه الجيوسياسي وخصوصاً تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، غير أن اختلالات الحالة الاقتصادية أحياناً تؤثر بصورة سلبية وتقلل من هامش الحركة والمنارة الدبلوماسية وتضغط باتجاه بقاء الوضع الراهن كما هو، وباختصار فإن إعادة التموضع سياسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي مع الحفاظ على العلاقات التقليدية مع دول الخليج العربي يعتبر مطلباً أساسياً في المرحلة القادمة.
ولتحديد ماهية المفاهيم والمصطلحات التي نتطرق لها لا بد من تعريف ما هو التحدي والتحديات، فهي عبارة عن المشكلات والمعوقات التي لا تعوق الدولة من تحقيق أهدافها مثل مشكلة البطالة، الفقر وتأثيرهما السلبي على الحالة الاقتصادية أو مشكلة الخلل في التركيبة السكانية وتأثيرها على الموارد الوطنية فالتحديات هي اختبار لقدرة الدولة من أجل التغلب على مشاكلها. أما التهديدات فهي إعلان للتعبير عن نية التدخل أو الإيذاء أو تهديد مؤسسات الدولة باستخدام الأيديولوجيا أو استخدام مكونات القدرة ضد دولة أخرى مثل التهديد بالغزو والاحتلال ويمكن للتهديدات أن تأتي من الداخل أو من الخارج وعندما تكون الدولة ضعيفة (هشة) يمكن أن تتعرض للتهديدات من الداخل والخارج معاً.
أما الأمن الوطني فهو تأمين الدولة من داخلها وحمايتها من التهديد الخارجي بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر لها أسباب النمو والنهوض، وقدرتها للتصدي لكافة المشاكل الداخلية والاتجاه العملي لحلها وانتهااج سياسات متوازنة ومعتدلة تقلل من حالات الاستقطاب المجتمعي وترفع من مستوى الوحدة الوطنية وتعزز الانتماء والولاء للوطن ونظامه السياسي.
وعليه فان التحديات على الصعيد الداخلي متعددة ومتشعبه وباختصار شديد يمكن لنا تشخيص الآتي:
اولاً: البطالة، فهي وجود قوى قادرة على العمل ولا تجده، فالحالة الأردنية تعاني من بطالة شديدة خصوصاً لدى حملة الشهادات العلمية، تضخم الادارة العامة يمنع التوظيف الحكومي لمستويات متدنية لا تزيد سنوياً عن خمسة آلاف وظيفة، وتراجع النمو الاقتصادي يُجذر المشكلة برمتها فهنالك 371 الف طلب توظيف لدى ديوان الخدمة المدنية فقط وتصل نسبة البطالة في الأردن الى ما يقارب 18.6% من مجموع القوى العاملة وهناك أرقام لدراسات أخرى ترتفع بها نسبة البطالة إلى حدود 28% - 30%.
ثانياً: الفقر، حالة الفقر مزمنة أردنياً وذلك لاختلال معادلة الموارد والسكان من جانب وازدياد السكان نتيجة للهجرات القسرية، والتراجع والانكماش وضعف النمو الاقتصادي لمستويات تصل الى 2% لعام 2018، ويبلغ خط الفقر العام الى حدود 859 ديناراً للفرد الواحد سنوياً لحاجاته الأساسية إذ أن هنالك ما يقارب من 21% من السكان تحت خط الفر، والرقم الذي تعتمده وزارة التنمية الاجتماعية يصل إلى 14.5% كمعدل عام في المملكة، وعلى الرغم من تخصيص مبلغ 90 مليون دينار أردني كموازنة لصندوق المعونة الوطنية إلا أن العديد من الأسر الفقيرة لا يغطيها هذا الرقم.
ثالثاً: ارتفاع اجمالي الدين العام للدولة إذ يصل الى 27.2 مليار دينار أردني وما نسبته 95.3% من الناتج الاجمالي المحلي لعام 2017 ناهيك عن حالة التراجع الاقتصادي العام، وعجز الموازنة، وضعف الاستثمارات المالية، وهجرة رأس المال المحلي، وتدني المستوى المعيشب والغلاء، وتراجع في مستويات الطبقة المتوسطة.
رابعاً: الفساد، فهو يعرف بسوء استخدام السلطة العامة لربح أو منفعة خاصة، وأن عمل ضد الوظيفة العامة التي هي ثقة عامة أو علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من السلوك لشخص واحد أو مجموعة من الأشخاص بمعنى خروج الحكم عن رشده، ولعل أخطر ما ينتج عن الفيد هو ذلك الخلل الكبير الذي يلحق بأخلاقيات العمل وقيم المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء حالة ذهنية تبرر الفساد وتشرعنه أحياناً، وأخطر أنواع الفساد الذي ينجم من خلال أطر شبكية ومجموعات منظمة، وعليه فان البلاد تعاني من حالات فساد كبير معروفة ومنشورة ولا بد من اعلاء سيادة القانون ومحاربة كل من يمارس اي شكل من اشكال الفساد مهما كان المستوى مالياً، أو إدارياً إلى غير ذلك فان مد اليد على المال العام جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات الأردني، وإذ أريد الاصلاح فلا بد من اجتثاثه من بنية المجتمع والادارة العامة والخاصة.
خامساً: الزيادة المضطردة في اعداد السكان إذ بلغ عدد سكان المملكة عام 2017 نحو 9.926.026 مليون مواطن علماً بأن عدد السكان عام 2011 كان 7.250 مليون مواطن وسببه الهجرات القسرية من سوريا، العراق، فلسطين، اليمن وليبيا إذ يوجد على الأرض الأردنية ما يقارب 43 جنسية عربية وأجنبية ويشكل السوريون 1.4 مليون نازح ومهجر على الأرض الأردنية هذا ونسبة النمو السكاني العادية العامة هي 2.8%، والأردن من أكبر الدول في العالم المستثبلة للاجئين.
سادساً: ظاهرة المخدرات من أهم التحديات الت يتواجه البلاد انتشار وتجارة وتعاطي المخدرات فهي آفة مهلكة لها تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية تساهم في زيادة الجرعة، والانحلال الأخلاقي، هذا وبلغت مجمل القضايا المضبوطة في المخدرات ما يقارب من 14 ألف قضية بين اتجار وتعاطي لعام 2017.
سابعاً: الجرائم على مختلف أنواعها التي تقع على الإنسان والممتلكات بلغت عام 2015 ما يقارب 24244 جريمة وهي في ازدياد.
ثامناً: حوادث السير:ك تشكل حوادث السير تحدياً وطنياً بالنظر لارتفاع معدلاتها وتداعياتها ونتائجها على المستوى وهي بارتفاع بنسبة 9.3% عن الأعوام السابقة، ففي عام 2016 وقع (144521)
ألف حادث نتج عنه 10835 اصابة بشرية وبلغ عدد الوفيات (750) شخص وعدد المصابين 17429 اصابة وتكلفة مادية وصلت إلى 323 مليون دينار أردني.
تاسعاً: الواسطة والمحسوبية، من الظواهر التي تنخر في بنية المجتمع الأردني إذ تؤدي لاغتصاب الحقوق والاعتداء على حقوق من يستحقون وتقضي على العدالة الاجتماعية والمساواة وهما من أخطر أنواع الفساد.
عاشراً: التطرف والإرهاب، عانى الأردن منذ نشأته من الإرهاب وأشكال عديدة من التطرف العقائدي على عدة مستويات والذي يهدف إلى النيل من استقراره وأمنه واضعافه والتقليل من دوره على كافة المستويات، وهذا التحدي يشكل الهاجس الأكبر للدولة التي تحاربه بكل الإمكانيات المتاحة، ان كان خلايا نائمة، أو ذئاب منفردة، أو تهديد من خارج حدود الدولة.
هذا غيض من فيض التحديات الداخلية التي تواجه الأردن على كافة المستويات ولم يتم التطرق للتحديات الثقافية، الفكرية والسياسية بشكل موسع فهنالك تحدي المياه والطاقة والاشكالات الزراعية، والتهرب الضريبي، وانتشار الأسلحة الفردية، وتحدي اللجوء السوري على مختلف الصعد، إلى غير ذلك.
هذا تشخيص عام للعديد من التحديات التي تواجه الأردن لكن الحلول تحتاج إلى رؤى وأفكار ذات طابع عملي يتناسب مع الامكانيات مثل اقدرة الاستخراجية والتنظيمية، والتوزيعية، والرمزية والاستجابية من جانب وتوسيع حدود النظام السياسي الافتراضية لمواجهة هذه التحديات ورفع درجة المؤسسية في الأجهزة المختلفة للتعاطي القانوني النظامي مع العديد من التحديات وعليه لا بد من إعادة بناء وتحصين الجبهة الداخلية الأردنية من خلال تحسين العلاقة بين الحاكم والمحكوم وزيادة مستويات التواصل بين المسؤول والمواطن من أجل الوقوف على التحديات الآنفة الذكر وحلها مما يعزز من شرعية النظام السياسي ووضع الخطط العملية القابلة للتنفيذ مع القطاعات المختلفة، وجلب الاستثمارات الخارجية واعادة رأس المال الأردني المهاجر وضخه في عمليات التنمية الاقتصادية، وربط التعليم بسوق العمل والتوجه نحو المشاريع الرأسمالية الكبرى لتشغيل جيش العاطلين عن العمل والاستمرار في عمليات الاصلاح السياسي واعادة النظر في القوانين الناظمة للحياة الديموقراطية في البلاد، وأخيراً وليس آخراً اعادة النظر في منظومة القيم الاجتماعية وتحديثها بما يتناسب مع العصر وحالة الوعي السياسي العام لدى أبناء الشعب الأردني واعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة برمتها، واعتماد الشفافية والوضوح لدرء الشائعات والتخمينات.
ان حروب الجيل الرابع التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي اتسعت لدرجة كبيرة وانتشرت لدى الجميع، واستخدامات الحرب النفسية في الاشاعات وفبركة الأخبار والصور تؤثر تأثير مباشر على حياة المجتمع وتُحدث ارباكاً واختلالاً هائلاً في العلاقات العامة. ومن المعروف أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي أعد العديد من التقارير عن حالة البلاد في مختلف القطاعات وعليه لا بد من أخذ هذه الدراسات العلمية والموضوعية بعين الاعتبار لصنع السياسات العامة في الدولة والاستفادة منها في عملية اتخاذ القرار لأنها نجمت عن حوارات علمية، متخصصة وذات قيمة عالية من قبل المتخصصين.
الدستور