شبابنا في خطر .. ما العمل؟
حسين الرواشدة
24-05-2009 04:28 AM
كيف ينظر الشباب في بلادنا الى مجتمعهم ، وما علاقتهم به ، وما هي اتجاهاتهم وقيمهم وتصوراتهم تجاه الواقع والمستقبل؟
الدراسة المتخصصة التي قام بها الدكتور موسى شتيوي ، استاذ علم الاجتماع المعروف ، تطرح - بالاحصائيات والارقام - اجوبة مذهلة عن هذه الاسئلة ، لكنني استأذن القارىء الكريم قبل ان ندخل في تفاصيلها بتسجيل ملاحظتين اثنتين: احداهما ان ازمة الشباب ليست منفصلة عن ازمة المجتمع ، فهؤلاء الابناء الذين نتحدث عن ضياعهم وانحرافهم وغربتهم واحباطهم هم ضحايا لانسدادات اقتصادية واجتماعية وسياسية صنعها المجتمع ، أي نحن: الاقتصاديون والمفكرون والسياسيون.. الخ ، وبالتالي فان تحميل الشباب مسؤولية ذلك يعقد الازمة وينزعها من سياقها الطبيعي بدل ان يتوجه الى جذورها: بالاعتراف أولاً ثم بالتشخيص الدقيق والعلاج.. اما الملاحظة الاخرى فهي ان ثمة قضايا واسئلة كبرى لم تحسم بعد في مجتمعاتنا ، منها ما يتعلق بالهوية ، ومنها ما يتعلق بحوار الاجيال ، وبالانسان عموماً والمرأة والطفل والاسرة تحديداً ، ومنها ما يتعلق بالذات وعلاقتها مع الآخر ، او بالمواطنة: علاقة المواطن بالدولة ، ومنها ما يتعلق بالقيم: الحرية والابداع والعمل والانتماء.. الخ ، ومع بقاء هذه الاسئلة معلقة برسم «الاجتهاد» المسدود ، فان «ازمات» الشباب في مجتمعنا ظلت وستظل تشكل هاجساً متصاعداً ينذر بكثير من الخطر والانحراف والفساد.
في الدراسة ان الغالبية العظمى من الشباب الاردني (68,2%) تشعر بان احرازها لأي تقدم في حياتها لا يعتمد على المجهود الفردي ، بل على خلفياتهم الاسرية ومكانة اسرهم في المجتمع ، (لا تسأل هنا عن غياب العدالة في التعيين وتكافؤ الفرص وشيوع آفات الواسطة والمحسوبية.. الخ) ، وهنالك - ايضاً (71,4%) من الشباب يشعرون بالاغتراب عن مجتمعهم لانهم غير قادرين على المساهمة في كثير من قضاياه والتعبير عن افكارهم بحرية ، (نتذكر ان نحو %70 من المواطنين لا يستطيعون انتقاد الحكومة بسب الخوف حسب استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية) ، لكن من النتائج المذهلة التي تضمنتها الدراسة ان %50 من الشباب يهمهم تحقيق نجاحهم الشخصي بغض النظر عن الوسائل المتبعة ، وهم بالتالي نادراً ما يلتزمون بالقوانين بل انهم يتعمدون خرق القانون اذا كان ذلك يصب في مصلحة العائلة (تصور؟،) ، فيما يرى %50 منهم ايضاً ان الفروقات بين الاغنياء والفقراء هي الاكبر داخل المجتمع ، ويرى نحو (78,4%) انهم عازفون تماماً عن المشاركة في اي نشاط ثقافي او اجتماعي او رياضي ، كما يرى (38,1%) ان العنف والجريمة باتت تشكل مشكلة في احيائهم او مناطقهم ، ويعترف (9,2%) منهم انهم يتعاطون المخدرات والعقاقير بأشكالها المختلفة.
في الدراسة - ايضاً - ان المشكلات الاقتصادية كارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة تتصدر اهتمامات الشباب ، وهي استنتاجات تتقاطع مع دراسات اردنية وعربية اخرى انتهت الى ان المشكلات التي عاني منها شبابنا تتعلق: بالاسرة (صعوبة التفاهم بين الاجيال) ، المشاركة في الحياة العامة ، العمل وتكافؤ الفرص ، الثقافة والهوية الثقافية ، كما ان البعض قد صنفها في مستويات اخرى: مشكلات نفسية كالشعور بالتيه والغربة والاحباط ، مشكلات اقتصادية ، مشكلات اخلاقية واجتماعية ، مشكلات سياسية..
والمهم هنا هو ان الشباب في بلادنا يعانون من ازمات معقدة ومتراكمة ، ومع ان ثمة مؤشرات تدل على تمسكهم بالقيم والتقاليد (تسعة من كل عشرة يؤدون العبادات بشكل منتظم ، 34,1% يرون ان هويتهم في المقام الاول اسلامية ، و31,1% يرون ان هويتهم اردنية) الا ان ثمة ما يشير - كما ترى الدراسة - الى تراجع الهوية الوطنية بين الشباب ، والي صراع غير محسوم في القيم والمرجعيات الثقافية ، والى تحولات خطيرة على صعيد علاقة الشباب بمجتمعاتهم ، وتراجع في طموحاتهم وآمالهم ، وتصاعد لمخاوفهم من المستقبل ، وجراحات جوانية عميقة داخلهم.. وهي كلها ترسم صورة مزعجة ومؤلمة لواقع شبابنا ، ورغم اننا للاسف نلمسها ونشاهدها لدرجة التعايش معها ، الا ان احداً منا - للاسف مرة اخرى - لم ينهض لمواجهتها ووضعها على «اجندة» اهتماماتنا الوطنية ، فهل ستكون هذه الدراسة التي اعدت بطلب من الحكومة ، وسواها مما سبق نشره ، بداية لفتح هذا الملف الخطير.. الخطير ، قولوا آمين.