على الرغم من كثرة الحديث الرسمي والشعبي وتذمره من انتهاك سيادة القانون و ازدياد قضايا الفساد والواسطة والمحسوبية, إلا أننا نلمس ازدياد تلك الانتهاكات والتجاوزات ،ورافق ازديادها العديد من التوجيهات الملكية سواء أكان للحكومة أم للمواطنين باهمية سيادة القانون ووقف انتهاكه بكل الاشكال ،فالورقة النقاشية الملكية السادسة تحدثت عن سيادة القانون في عام 2016.
إن سيادة القانون في أبسط معانيها تعني ممارسة السلطة لسلطاتها وفق قوانين مكتوبة منبثقة عن الدستور، قوانين تتميز بعدالتها وانصافها ووضوحها وتحترم من الكل،غير ان هذا مختلف عن الحالة الاردنية ،ولذا ذهب جلالة الملك في لقائه الأخير في مجلس الوزراء الى التأكيد على أهمية سيادة القانون؛ وأن الجميع تحت القانون ولا يوجد استثناء لأي شخص مهما علا شأنه ،وأن سيادة القانون هي الضمانة لمجتمع تسوده قيم العدالة والمساواة والتقدم، وتجنبه الإشاعات والانقسامات والفتن، وتعزز قيم النماء والانتماء والولاء للوطن، وأن الجميع سواسية لهم ما لهم وعليهم ما عليهم من حقوق وواجبات، وأن مكانة الأردني يحددها مقدار ما يقوم به من جهد وتميز وخدمة وطنه.
ومع وضوح التوجيه الملكي ووضوح الفئات المقصودة وهي فئات استقوت على سيادة القانون مدعومة بعدّة معطيات منها : ما تعلق باستثمارالوظيفة الحكومية والنفوذ أو ادعائها القرب من نظام الحكم و يحق لها ما لا يحق لغيرها، ومنها ما ارتبط بعلاقات مع جهات خارجية، ومنها ما ارتبط بأبعاد عشائرية ومناطقية، وفي كل الأحوال فإن أيقاف هذه الفئات عن استقوائها يبدو سهلا لانه تجاوز واضح للقانون ومن السهل اثباته.
لكن المشكلة الحقيقية تبدو ابعد من ذلك، فالقضية ليست سيادة القانون فقط، وإنما تتعدى سيادة الدستور وما يتبعها من قوانين وأنظمة وتعليمات، فالمواطن الأردني يعيش حالة من القلق والتوتر والتضييق عليه ، ذلك بسبب الفساد المقنن أو الفساد المخفي الذي يتم عادة شفويًا ومن الصعب اثباته، مستغلا النقص اوالثغرات في العديد من التشريعات وما انبثق عنها من تعليمات خاطئة تتعارض مع روح الدستور والقوانين،وتعتمد المزاجية او المصالح الشخصية، ونتج عنها اضاعة كثير من حقوق المواطنين وتجييرها لاناس لا تستحقها ،وهذا ما اثر على انتاجية المواطنين وكفائتهم وانتمائهم ويجعلهم يعيشون حياة قلقة ومتوترة.
ولتعزيز سيادة القانون بهذا الشأن؛ فإن ذلك يتطلب عدالة اجتماعية وتكافؤ فرص حسب الكفاءة والإنتاجية، ومعالجة الثغرات في التشريعات،والحزم في معاقبة كل من تسول له نفسه مس حقوق المواطن،فالمسؤول يجب ان يكون مؤتمن على حقوق الناس، وفي وطننا قليل ما نجد مسؤول لم يستثمر وظيفته في تنفيع ابنائه واقاربه ومعارفه، فاين ابن مسؤول يعاني من فقر او بطالة؟ واين ابن مسؤول تعرض لمظلمة؟ واين ابن مسؤول التحق في القوات المسلحة؟ تلك الاسئلة هي التي تدور في فلك المواطن الاردني الذي يرى ان الجميع شركاء في المغانم والمغارم.
ان استقلالية القضاء وتمكينه من سرعة البت في قضايا الفساد او التعدي على حق المواطن يسبقها الشفافية والنزاهة والتعليمات التي تنسجم مع القوانين في اجراءات العمل الحكومي و شغل الوظائف الحكومية وخاصة العليا منها تعد من الاهمية بمكان لوضع حد للفساد المقنن والمخفي ؛ فلا يعقل مثلا أن العديد من أبناء الوزراء والمسؤولين يشغلون وظائف متقدمة ورواتب عالية وهم ليسوا بأكفا من غيرهم. والأهم من ذلك أن من أتى لتلك الوظائف بطرق غيرمشروعة لا يمكنه أن يحرص على سيادة القانون، ولا يمكنه أن يكون مثلاً وانموذجًا لمن يعمل بمعيته.
ومع وجود العديد من المؤسسات والأجهزة الرقابية والمحاسبية في الدولة إلا أنها لغاية الآن لم تحقق آمال المواطن الأردني في معالجة الفساد المخفي الذي ينتهك سيادة القانون، ويزيد من الواسطة والمحسوبية والشللية.
إن سيادة القانون تتطلب منظومة كاملة تعيد ثقة المواطن بدولته وتقنعه أن الدستور والقوانين تحميه، وأنه يستطيع الوصول إلى حقه بسهولة ويسر.