قراءة في رواية بنسمايا للروائي مصطفى القرنه
علي القيسي
07-08-2018 12:06 AM
رواية بنسمايا رواية مثيرة للجدل ، محيّرة للمرء ، رواية تعود بنا الى ماض سحيق وموغل في القدم ، تجعلنا نتخيل وتستفز في دواخلنا فكرة البحث الفلسفي عن مسيرة الحياة برمتها، وأنت تقرأ الرواية تنعزل عن حاضرك وواقعك وتحلق بخيالك بعيدا عبر السطور والصفحات وتقارن مابين حضارة اليوم وحضارة ذاك الزمان البدائي الموغل في الجهل والغريزية والظلم والعبودية ، في بابل القديمة التي تتحدث عنها الرواية ، لاحياة طبيعية ،ولا بشر طبيعيين، العفاريت هي التي تسكن المدينة، نعم الشياطين ايضا، والجن يسرح ويمرح بين الناس، يعرف اسرارهم وذواتهم ، يدخل في تفاصيل حياتهم، يعمل بين الناس ، يؤلبهم على بعضهم البعض، بنسياما هو عفريت من الجن وهو عنوان الرواية ، هذا العفريت يتماهى معه الرواي الشاعر، ويحركه بين الشخوص، ويسيطر على تصرفاته، ويوظفه شر توظيف، يدخله في جسم الانسان كي يلتقط الأخبار والأفكار والسلوكيات ايضا، يوظفه الزوج لمراقبة زوجته في غيابه عن البيت، يدخل في جسدها ، ويخرج وينقل الأخبار والاسرار الى زوجها ، ويعرف الزوج باخلاص زوجته او بخيانتها له، وايضا الزوجة بدورها توظف العفاريت لمراقبة زوجها والتأكد من تصرفاته وخياناته واسراره الشخصية التي تخفى عليها،
> > مدينة يسكنها الجان والعفاريت، تراهم يسيرون في الشوارع ويدخلون البيوت ، ويدخلون الأرواح، ويتمثلون على هيئات مختلفة منهم البشر والحيوان وغير ذلك،
> > أما المجتمع البابلي فهو مجتمع وثني يعبد الآله وهو غارق بالكفر ليس هناك أديان في ذلك الوقت ولكن الكهنة هم من يحكم هذا المجتمع من خلال المعابد الكثيرة في بابل، وهذه المعابد لعبادة الآلة التي يعتقدون بها ، وهي أرضية مثل الشمس والقمر والفلك والنجوم والنار، مجتمع ممعن بالجهل والظلمات والكفر، ويعيش في العبودية ، ثمة اليهود في هذا المجتمع وهم العبيد والمنبوذين، والمقهورين، من السكان البابليين، هؤلاء اليهود ملعونين، في تلك البلاد، وهم خدم وعبيد للبابلين،
> > الكهنة في بابل اشرار فاسدين، يعاقرون الخمر ويغتصبون النساء، ويسرقون أموال الناس، ويتاجرون بالبغاء ،فمعابدهم أوكار لممارسة الرذيلة، واستعباد الناس، والقضاة كذلك لايختلفون عن الكهنة ، لصوص، تهمهم مصالحهم يقضون بالظلم بين الناس، الذي يدفع تتم تبرئته ،لوكان قاتلا ؟؟؟
> > مجتمع مبني على الظلم والحقد وغياب الشرائع الدينية، وغياب الانسانية ، شخوص الرواية أنانيون حاقدون مجرمون ، يستغلون الناس وخاصة العبيد منهم، والعبيد ليس كلهم من اليهود، وانما من شعوب أخرى ومنهم من بلاد الشام واعراق وجنسيات مختلفة جاءوا بهم من خلال الحروب الذي يشنها البابليون على البلاد التي تجاورهم،
> > سوق العبيد مشهور في بابل، ويتم شراء العبد من السوق، بثمن بخس، ليعمل في المزارع والبيوت والمشاريع التي تقيمها الدولة البابلية،
> > هناك قصص وحكايات في الرواية مثيرة وغريبة، لامجال لذكرها في هذا المقام ،مثلا قصة عشتار وزوجته سورا ، وكيف انه بدا يراقبها ويشك في حبها له بعد ان احضر الى بيته عبدا ليساعدها في شؤون البيت والزراعة وكيف وظف الجن بنسمايا ليأتي له باخبارها وتصرفاتها وماتسوس به نفسها ، حيث توصل العفريت الى ان سورا زوجة عشتار ، تخون زوجها مع العبد الذي احبته ،خلال غياب زوجها عنها ، وحين علم بالحقيقة من العفريت ، قام بقتلها ورميها في مياه النهر، ثم انتقم من العبد بذات الطريقة ،فالرواية مثيرة وفيها طبعا من الخيال مافيها ، ولكن الراوي لم يذكر لنا ان القرآن الكريم تحدث عن الملكين هاروت وماروت اللذان نزلا في بابل ليعلمان الناس السحر، ولم يذكر شيئا عن نبوخذ نصر الى حين ولادته رضيعا ، والمعروف في التاريخ والمسؤول عن السبي اليهودي وتشتيت اليهود على يد نبوخذ نصر، كان اليهود في بابل يرغمون بناتهم على الزواج من البابليين ، والتحرش بهم في المزارع من خلال عملهن في مزارع البابليين كعبيد ، ليحصلوا على أطفال منهم ، كي يكبروا بعد تربيتهم ثم يبعيون هؤلاء الاطفال في سوق العبيد مقابل المال، تخيلوا اليهود كم هم انذال وقذريين ويعبدون المال حتى على حساب كرامتهم وشرفهم ،وهم لغاية اليوم يوظفون عرضهم وشرفهم وبناتهم من اجل الحصول على المال ودعم لدولتهم اسرائيل المحتلة لفلسطين، وفي الختام : الرواية ممتعة ، والراوي مصطفى القرنه، متميز جدا بالروايات القديمة التي تتحدث عن الماضي والآثار والقدم والتاريخ ، غزير انتاجه وملفت ، اسلوبه مشوق وافكاره متسلسلة ولغته جميلة وسهلة، لايوجد تقعير في اللغة، ويوظف شخوص رواياته بشكل مذهل وباهر، وكأن الشخوص في رواياته الكثيرة ملك بيده يتحكم بها كيفما ياشاء، لايترك شيئا للصدفة ،فهو دقيق في حوارات الشخصيات الافتراضية، والقرنه له روايات عديدة قرأت وكتبت عنها ، وهي ، موت بطعم مالح، شمتو، المدرج الروماني، الروهينقا، بنسمايا، واخيرا اتمنى له التوفيق والنجاح في كل اصداراته القادمة.