الجدل البيزنطي: ألا نتركه؟!
م. أشرف غسان مقطش
06-08-2018 11:21 AM
يوميا لا بد أن يحدث جدل بيزنطي بين مسلم ومسيحي حول من يدخل الجنة ومن لا يدخلها، كانا صديقين أم جارين أم زميلين أم بين أي إثنين: أحدهما ولد بالفطرة مسلما، والآخر ولد بالفطرة مسيحيا، ولربما تحول الجدال إلى عراك بالأيدي بينهما بعد تجاوز مرحلة تبادل الشتائم واللعنات لسبب سخيف جدا، وهو أن كلا منهما يعتقد بأن دينه يحتكر كامل الحقيقة.
ومن ناحيتي فإنه لا يوجد دين في هذا العالم يملك كامل الحقيقة، فلو أن هناك دين كذلك، فإنه يصبح كاملا والكمال لله وحده.
عدا عن ذلك، لو أن هناك دين يملك كامل الحقيقة فعلا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ينقسم ذلك الدين على نفسه؟! وابن مريم قال ذات مرة: "كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على ذاته لا يصمد!" فأي دين جاء وما إنقسم على نفسه؟!
إذا لا يوجد دين يملك كامل الحقيقة، وإلا كان الأمر تحيزا من الله لدين معين وهذا غير صحيح، فلماذا الجدل البيزنطي حول من يدخل الجنة ومن لا يدخلها؟ اليس حريا بكل واحد منا أن يصلي صلاته الخاصة به بدلا من حوار عقيم أشبه بحوار الطرشان؟!
لكم دينكم ولي ديني، هكذا يقول القرآن، لكننا نعلم ما هي عقوبة الردة عن الإسلام، والمسلم تعلم طوال سنين من عمره حفظ القرآن، وكيفية قراءته وتلاوته، وعرف أن الاسلام هو الطريق الوحيد إلى الجنة، فما الفائدة من جدل بيزنطي معه لأجيال؟!
"ألك إقتناع ما؟ فليكن لك ذلك بنفسك أمام الله"، هكذا يقول بولس في رسالته إلى روما، لكن إبن مريم قال ذات مرة: "كل من يعترف بي أمام الناس، أعترف أنا أيضا به أمام أبي الذي في السماوات، وكل من ينكرني أمام الناس أنكره أنا أيضا أمام أبي الذي في السماوات"، والمسيحي تعلم طوال سنين من عمره معنى آيات الإنجيل، وحفظ التراتيل والترانيم وكيفية رسم إشارة الصليب، وعرف أن المسيحية هي الطريق الوحيد للجنة، فما الفائدة من جدل بيزنطي معه لقرون؟ّ!
إنه لمن السخرية أن يدعو مسلم مسيحيا للإسلام، ولمن سخرية أكبر أن يدعو مسيحي مسلما للمسيحية، فمثلما أن للمسلم عقيدة يؤمن من خلالها أن القرآن هو كتاب نزلت آياته من لدن رب العالمين على المصطفى، كذلك فإن للمسيحي عقيدة يؤمن من خلالها أن الإنجيل هو كلام الله قد أوحي لمن كتبه من لدن روح القدس. والعقل البشري متحيز بطبيعته كما يقول الدكتور علي الوردي، ولذلك ما كان هناك داع لجدل بيزنطي حول من يفوز بالآخرة!
وقد يقول صاحبنا "دردمة": إن الغرض من النقاش والحوار-وهما ليسا بحوار أو نقاش إنما جدل ببيزنطي- هو التثقف والاطلاع على معتقدات الآخرين، لكنني أتساءل: لماذا لا يطلع المسلم على الإنجيل ليقرأ عما يدعو إليه؟ ولماذا لا يطلع المسيحي على القرآن ليقرأ عما يدعو إليه؟ هذا إذا أراد صاحبنا أن يتثقف ويطلع على معتقدات الغير، أما إذا كان يحب المجادلة والثرثرة و"السواليف" فإنه لن يجلب لنفسه سوى صداع الرأس وحرق الأعصاب وربما خسر صديقه أو زميله أو جاره والعوض من الله!
إن الطائفية لا يمكن القضاء عليها فهذه طبيعة البشرية، لكن هذه البشرية تستطيع ترك الجدل البيزنطي وكسبه بنفس الوقت كما قال دايل كارنيجي: "إذا أردت أن تكسب جدلا فتجنبه!"
ما أريد قوله هو: لنترك الجدل البيزنطي جانبا ولنفكر في كيفية تخفيض نسب مشاكلنا الإجتماعية والإقتصادية، ولنركز جل تفكيرنا وجهودنا لأجل رفعة المجتمع، فإن المصطفى قال ذات مرة: "الدين المعاملة"، وإبن مريم قال ذات مرة: "وبمثل ما تريدون أن يعاملكم الناس عاملوهم أنتم أيضا!"
والسلام على بلدنا وأهله أينما أشرقت الشمس ومتى غابت!