دور الاعلام في الحفاظ على السلم المجتمعي ومواجهة الشائعات
د. محمد كامل القرعان
05-08-2018 07:54 PM
لغاية هذه اللحظة لم يدرك القائمون على دوائر إعلامية في مفاصل الدولة ومؤسسات صنع القرار معلومة مفادها ان (الاعلام لا يختزل فقط بخبر صحفي) " وليعلم هؤلاء ويتعلموا أن الاعلام كالجسد مكون من شقين جسد وروح ، فلا حياة لجزء دون الاخر وكذلك فالتحليل والتمحيص والشفافية والحقيقة ما بعد الخبر اهم من ذات الخبر.
مشكلة البعض ما زال متخندق بجو الخبر الرسمي والمكون لاتجاه واحد فقط دون مراعاة لحالة التشابك التي تفرزها معلومة مجرد نشرها. أن غياب المعلومة الحقيقية عن الشارع وحجبها بقصد او دون قصد يتيح للاشاعة ان تتمدد وتتفرعن في جو تصنع فيه هي الرأي العام وتقوده وتوجهه بالطريق الذي تقصده ، كما وتؤثر في الرأي العام وتشكل لديه القناعات والمواقف المبتغاة وبالتالي تصبح سيدة المشهد وهذا شيء خطير اذا ما ترك دون معالجه ورؤية اعلامية واضحة ومشددة.
لنبتعد عن مقولة وفكرة انه ليس مهم ان يعرف الافراد كل شيء : هذه الفكرة اصبحت في عالم الانترنت مستهلكة ومهترئة وبالية كما انها وتبددت الان في ظل تسارع غير مسبوق في عالم الفضاء الاعلامي غير المقيد بسقف وانتشار الاخبار في اقل جزء من الثانية دون رقيب او عتيد.
فالمعلومة في الوقت الحاضر تعتبر" قنبلة ذرية" اذا ما اتيح لها الانتشار فمن الصعب الوقوف امامها ، نحن امام سيل جارف من المعلومات في ظل تطبيقات يتملكها الافراد في موبايلتهم وما تتاح لهم من وسائل وادوات.
الأدوار التي تقوم بها وسائل الإعلام في المجتمع مهمة ومن مسؤولية الدولة بحسب الدستور الحفظ على السلم الاجتماعي واشاعة حالة الطمانينة بين افراد المجتمع و أن لا يترك الامر للشائعات المخلة بالامن والنسيج الاجتماعي.
وبالرغم من الوظائف الجمة للاعلام إلا أن الوظيفة الأهم هي الحفاظ على الامن المجتمعي من التفتت والتبعثر، سواء كان ذلك عبر الشائعات او الدعايات المخلة والمنافية للامن والنظام العام.
مهما كانت الاشاعة غير منطقية وباطلة فإنها قابلة للانتشار في المجتمع وبخاصة في اوقات يستثمرها اصحابها منها الأزمات وقضايا فساد ، لذا ومن الحكمة ألا نصدر أي سلوك يستند على معلومات مضللة.
ولكي تتمكن وسائل الإعلام من القيام بدورها ، لا بد لها من القضاء على المخاطر التي تهدد هذه النسيج والقضاء عليها في مهدها، ومنها الشائعات ، وهي التي تسري في المجتمعات مسرى النار في الهشيم، ويتناقلها الأفراد دون أن يدركوا أنهم ضحايا ذلل وتؤثر بالتالي على وضعهم وكيانهم واستقرار اسرهم .
والشائعات مصدرها غالباً ما يكون خارج حدود الوطن، وبعضها من اوكار ضالة ومضلة هدفها الدائم هو زعزعة الثقة وبث روح الفرقة وإذكاء الخلاف عبر التأليب بشتى الوسائل.
نشر الدعايات العابرة للاجواء وفي بيئة خصبة شأنها الوصول الى أضعاف الروح المعنوية وان يصبح المجتمع ممزقاً وشعباً وهكذا.
والشائعات في معظمها تأتي عبر الترويج لأخبار مختلقة لا أساس لها من الصحة، وهي أحد أساليب الدعاية السوداء والحرب النفسية التي تمارس لهدف .
ينبغي للمعنيين ادراك أن طبيعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ، التويتر ، الواتس اب ) جعلت عملية الاتصال لا تسير في اتجاه واحد، بل سمحت للمرسل وللمستقبل أن يتجاوزا مرحلة الاستقبال والارسال للمشاركة فاصبحت النتيجة حتمية، وهو ما يزيد من انتشار الشائعة، لأن الأفراد بغريزتهم الإنسانية يقرأون المضامين وفقا لخلفياتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية والمعرفية وخبراتهم، و يضيفون إليها من ذواتهم وارائهم ، وهو ما يؤجج من الشائعات، في ظل غياب وسائل الإعلام الرسمية باعتبارها المرجع للتأكد من الصحة.
كما أن الشائعة لا تعتمد على نقل الأخبار المغلوطة فقط، ولكن التعليق على الأخبار الصحيحة، والتعليق بشكل يجافي الحقيقة ، وهو شكل من أشكال نشر الأكاذيب، وهو ما يسمى بتلوين الخبر وتلويث المعلومة و الذي لا يستطيع أن يدركه عامة الناس.
على الطرف الآخر، يجب تفعيل دور الصفحات والمواقع الإلكترونية للمؤسسات الاعلامية الرسمية والدوائر الوطنية المختلفة -باعتبارها شكلاً من أشكال الإعلام الجديد- في مواجهة الشائعات،و عرض الحقائق المتعلقة بمختلف القضايا على المجتمع ، الخارجي، أو الداخلي.
يجب على وسائل الإعلام الوطنية المعنية وضع استراتيجيات و خطط استباقية جاهزة ومعدة قادرة على التعامل مع الشائعات والقضاء عليها في مهدها.