العدالة الاجتماعية حزام أمن المجتمع
د. خلف الحمّاد
05-08-2018 06:32 PM
في كل أبجديات حقوق الإنسان، وما حثت عليه الديانات السماوية، ودساتير أهل الأرض نجد أن من أبرز المعالم الأخلاقية التي حظيت بمزيد اهتمام هو مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، لضمان وصول الوظائف والمسؤوليات للكفايات الوطنية، لاستثمار طاقاتها الإبداعية، مما يدفع بعجلة التقدم والنماء والازدهار، وحماية حاضر المجتمع ومستقبله.
وقد أكدت الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك مبدأ تعزيز وتدعيم العدالة الاجتماعية حتى تتمكن الحكومات من إعطاء كل ذي حق حقه وفقاً لمبدأ "تكافؤ الفرص" بين المواطنين كافة بغض النظر عن أي اعتبارات تتعلق بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، أو باعتقاداتهم المذهبية أو الدينية، أو السياسية، أو انتمائهم العشائري؛ لأن العدالة هي الضامن الوحيد للوحدة الوطنية المنشودة وليس أي شيء آخر.
واستطاعت المجتمعات الغربية أن تقطع مشواراً كبيراً في سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي ضمنت جذب كل الكفايات الإبداعية، لتأخذ مكانها في نهضة المجتمع وتقدمه، وحمايته من الفوضى، وهذا ما نادى به الدستور الأردني الذي راعى العدالة الاجتماعية في بعض مواده، سواء في الجانب السياسي، أم من جانب تكافؤ الفرص ومساواة الأردنيين في الحقوق والواجبات أمام القانون، ولكن للأسف الشديد نجد بعض هذه المواد يضرب بها عرض الحائط في غالب الأحيان بسبب تفشي الواسطة والمحسوبية ، مما يؤدي إلى نتائج مأساوية على المجتمع؛ لينتشر الفساد وتسود الفوضى والضبابية .
وإذا استطاعت التشريعات ضمانة العدالة، فإنها تنعكس على التنمية؛ لأن التنمية الشاملة التي نسعى إلى تحقيقها تستدعي المزيد من الاهتمام ببرامج تطوير القطاع العام، وإعادة هيكلة الجهاز الحكومي وزيادة تأهيله، وتخليصه من مظاهر الترهل، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة، ومحاربة كل أشكال الفساد والواسطة والمحسوبية بمنتهى الحزم والشعور بالمسؤولية، ولما كان الإنسان محور العملية التنموية برمتها، وهو وسيلتها وغايتها، فإن أردن المستقبل يعتمد على الاستثمار الأساسي في الإنسان الأردني المبدع المتميز بعطائه، فهو ثروة وطننا الحقيقية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى تبقى هذه الأسس والمبادئ التي شدد عليها جلالة الملك تنتظر تفعيلها حيث غابت العدالة الاجتماعية, والتي رفعت بعض الفئات على بعض دون احتكام إلى معايير الكفاءة والاستحقاق، وهي امتيازات صارت وسيلة للتقسيم المجتمعي والتمييز بين أبناء الوطن الواحد؛ وهو ما كرس الشعور بالغبن والظلم لدى المحرومين. وتزداد المأساة عمقاً كلما ازدادت مزايا فئات بعينها حصلت لنفسها على مكاسب ضخمة ووظائف أصبحت حكراً على مجموعة صغيرة دون أحقية ولا أهلية.
وهذا ما تؤكده ادبيات العدالة الاجتماعية بحيث إذا تحققت نهضت الدولة وازدهرت، وتحصن المجتمع من الانفجار، والعدالة لها علاقة وثيقة بالانتماء والولاء بالوطن، إذ إن العدالة تحفز المواطنين على العمل والانتماء، وفي غيابها يصاب المواطن بالإحباط والتوتر الذي يؤدي إلى العنف.
لذا بات تجديد النخب الوطنية مهمة وطنية ملحة, فمعظم النخب معزولة عن الرأي العام، وهي تتواجد في صالونات مغلقة ومشغولة بالشائعات، وفي الساعات الحرجة أو الأيام الحرجة بالأزمات المتتالية دائماً يختفي رجال الدولة.
إن أهم مطالب المجتمع هو تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وتكافؤ الفُرص، وتعزيز المُواطنة، وتوسيع قاعدة المشاركة في صُنع القرار، وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية، وكف يد الفاسدين ومحاسبتهم؛ وهذا ستكون مخرجاته الاستقرار السياسي والاقتصادي، والحياة الكريمة للمواطن، والأمن المجتمعي الذي سيكون له في الأردن خاصة تميز عن سائر المجتمعات.