إشكالية مفهوم العقد الاجتماعي
د. نضال القطامين
05-08-2018 06:11 PM
لعل هذا المقال يفتح نقاشاً حيال تشكيل وصفٍ للحالة السياسية الوطنية، يوفّق فيه بين فكرة العقد الإجتماعي الجديد الداعي للتحول بالدولة الأردنية لنموذج يجمع المبادىء القومية والدينية مع أساسيات الدولة المدنية، وبين الدستور الأردني بوصفه الناظم التقدمي المهم للدولة.
لقد كلّف جلالة الملك حكومة الدكتور الرزاز، بـ " أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني، ويرسم شكل العلاقة بين المواطن ودولته في عقد اجتماعي واضح المعالم من حيث الحقوق والواجبات"، بينما أكد دولة الدكتور الرزاز في أكثر من موقع، أن مفهوم العقد الإجتماعي الجديد يعتني بالتركيز على الحقوق والواجبات، والانتقال الى منظومة مؤسسات محكومة بقوانين وأنظمة، والتحوّل من الريع للإنتاج، على أن يكون المواطن العنوان ومركز العمل التنموي مع ضمان حقه في الخبز والحرية.
وفق هذا التعريف، فإن العقد الإجتماعي الجديد ضرورة وطنية تقتضيها مصلحة الدولة، وتتماهى مع الركائز الأساسية لأي دولة تنشد النجاح والإزدهار.
ورغم ذلك كلّه، فإن المصطلح الجديد يثير جدلا ويفرض إشكالاً لاختلاط الأمر على الناس على اعتبار أن هذا العقد بديل للدستور، وهذا أمر بعيد عن الحقيقة وبعيد عن الواقع، والمتمعن جيداً في مآرب هذا المفهوم، وفي بداياته في الديمقراطيات العريقة، يرى أنه ليس أكثر من وصف لعلاقة الحاكم بالمحكوم، وأنه كان الأساس في بناء الدساتير ولا يمكن ان يكون بديلا عنه.
في الحالة الأردنية، نحن ننعم بدستور حداثي متقدم، يؤمّن علاقة متكاملة وواضحة في الحقوق والواجبات، ولا يضيره أبدا ولا ينقص من قيمه السياسية والاجتماعية أبدا، عقدٌ إجتماعي له علاقة بتفصيل العلاقة بين المواطن والدولة؛ يؤسس لحالة وطنية خاصة ويوضح الحقوق والواجبات.
اهتمت نقاشاتٌ مختلفة بتناول مصطلح العقد الاجتماعي، كمفهوم سياسي بات واجب التطبيق، وليس سراً أن من يرفعون لواء الحديث في هذا السياق، قد أمعنوا في وصف هذه الدولة المنشودة، وأسهبوا في الحديث عن أساسيات التغيير المفضي لها، وجعلوا أساسها في قانون أحزاب وقانون انتخاب يفضيان لحكومة برلمانية تملك أمرها، ولا تنصاع لهيمنة "قوى الوضع القائم"، تلك التي تعيق التقدم نحو الأهداف وفق التصوّر المفضي إلى دولة مدنية أساسها القانون والتشارك في البناء بين الحكومة والشعب.
إن وصف الإصلاح السياسي في الأردن بأنه "ترف تمارسه النخب"، وأن "قوى الوضع القائم" تحوّل انظار الناس نحو الإقتصاد بوصفه يتعلّق بحياتهم ومعيشتهم، لإبعاد فكرة الإصلاح السياسية الشمولية عن اهتماماتهم، هو وصفٌ بحاجةٍ لإعادة نظر لأن الأمر غير ذلك في مسيرة التاريخ الديمقراطي الأردني، فضلا عن أنه يرتبط أساساً بخصوصية لها علاقة بالظروف المختلفة في الأردن.
مالذي نحتاجه لجهة إنضاج الحالة الأردنية الخاصة وفق أساسيات الدولة المدنية التي تراعي خصوصية المجتمع الأردني، تحت مظلة الدستور؟
هذا سؤال مهم. ولا تبدو الإجابة عليه بعيدة؛ حين نقرأ في أوراق الملك النقاشية حلولا ممكنة، وأفكاراً تلامس الواقع، وحين تتصدى النخب السياسية بكل مكوّناتها لتكوين الحالة الأردنية الخاصة التي تجمع المبادىء القومية والدينية مع أساسيات الدولة المدنية.