فلنستبدل الدواوين بالأحزاب
أحمد فهيم
05-08-2018 05:44 AM
لا ينكر دور العشائر الأردنية في استقرار نظام الحكم وتثبيت أركان الدولة وإرساء دعائمها إلا جاحد أو ضال، ففي كافة المفاصل الدقيقة والمراحل الحساسة من تاريخ البلاد جسدت العشائرية أنبل الصور في ترجمة معاني البيعة المتجددة للهاشميين فعلا و قولا وولاء مقرونا بعطاء، ولا أدل على ذلك من الإسناد الذي قدمته العشائر للدولة ضمن السلطات الأمنية والقضاء، فضلا عن التضحيات والإنجازات الراسخة في سجل الشرف وقوائم الشهداء وبطولات الجيش العربي المجيد.
ومع التحولات الحتمية الحاصلة في البناء الاجتماعي والسياسي بحكم عامل الزمن، بات من الضروري أن تخضع العلاقة بين الدولة والعشيرة لمراجعات تحافظ على كفاءة العلاقة التكاملية بينهما، على النحو الكفيل بخدمة المصلحة العامة، فقديما قالت العرب (لكل زمان دولة ورجال)، وفي هذا الزمان كثرت التحديات الداخلية والخارجية التي تتهدد الأمة بكل مكوناتها، وأصبح من الضروري مأسسة العمل السياسي والاجتماعي بما يسهم في رص الصفوف وتوحيد الجبهات، لمواجهة الظروف الاستثنائية التي نمر بها ضمن إقليمنا الملتهب، وأول هذه المراجعات هو تسييس النمط الاجتماعي بحيث تتحول الدواوين العشائرية إلى أحزاب سياسية ضمن ائتلافات محدودة العدد تتشكل تحت مظلة الدستور وقانون الأحزاب، بحيث تصاغ لها مواثيق قادرة على فرز القيادات المؤهلة للمشاركة في السلطة والعمل العام، فضلا عن المواثيق الاجتماعية الحزبية التي يمكن من خلالها تكريس قيم العدالة والنخوة والتكافل والعادات الأردنية الأصيلة على نحو لا يوفر الحماية لأي خارج عن القانون، ولا يسرف في الآن ذاته بالعقاب، ولنا فيما يعرف بالجلوة العشائرية أنموذجا على الظلم الواقع بحق أناس أبرياء أُخذوا بجريرة غيرهم.
إن أبناء العشائر الأردنية الذين تخرجوا في أعرق الجامعات المحلية والعالمية، هم موضع فخر واعتزاز لما حققوه من مراتب علمية وأكاديمية متقدمة في كافة العلوم والمجالات، وإن ما بات يكفله المؤهل العلمي من مكتسبات للفرد والمجتمع يفوق أي مرتكزات أخرى، وقد لمسنا خلال الأيام القليلة الماضية مثالين ناصعين على الصحوة المحبذة والتحول المطلوب في الشأن مدار البحث، فما فعله المواطن محمد النوايسة حين رفض تنفيذ الجلوة العشائرية بحق ذوي المتهم بقتل نجله المرحوم صقر النوايسة، والصفح عنهم عشائريا واﻻكتفاء بمحاكمة الجاني عن طريق القضاء وفقا للقانون فقط، إنما هو موقف عظيم نأمل أن يتكرر، وهو لا يقل أهمية عن البيان المشرف الذي صدر عن عشيرة اللوزي على خلفية الاعتداء الذي وقع بحق رقيب السير، حين أكدوا أن العشيرة "لن توفر غطاء اجتماعيا لما حدث".
إن الدولة المدنية التي نريد، هي دولة سيادة القانون، وهي الدولة القادرة على دمج كافة قواها ومكوناتها ضمن برامج سياسية واجتماعية واقتصادية حزبية، تتنافس على أسس الكفاءة لا أسس القرابة، وتفرز عبر صناديق الاقتراع حكومات برلمانية تعبر عن طموح الأكثرية، وتصنع التغيير والإصلاح المنشود.