الفراغ الفكري هو خلو العقل من الوعي، بمعنى أن العقول تحتوي على أفكار ولكنها لم تصنع وعيا، فكلما زاد وعي الإنسان كلما زادت قدرته على الإبداع والتفكير النقدي والإنتاج الخصب. ويرجع حقيقة وجود حالة من الفراغ الفكري وخاصة لدى الشباب، إلى المؤسسات الحاضنة كالأسرة والمدرسة. و حالة التذبذب الفكري التي يعيشها البعض اليوم، وهي نتيجة طبيعية لحركة التبادل المعرفي والثقافي عبر قنوات التواصل العالمية.
والفراغ مصدر للبلاء سواء الفكري او العاطفي. فالانسان الذي ليس لديه فكر واضح او اتجاه ،هو مشروع جاهز للشيطان يمكن استغلاله بشتى الطرق والنواحي.
ولنكن واقعيين ولا نحمل الشباب اكثر من طاقته . فالشباب طاقة وقدرة متحركة لا يمكن له التوقف والركود . هذه الطاقة يمكن استشعارها بالخير والانتاج. او بالشر والدمار.
فالانسان في النهاية مشروع عمل وليس كتلة هامدة او طاقة ساكنة.
ويعاني الكثير من الشباب هذه الأيام من الفراغ الفكري، بمعنى أنه لا هدف للكثير من هؤلاء الشباب ولا رسالة ولا مسؤولية فكرية له ، واكد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه ، في جميع توجيهاته الملكية السامية ، وخاصة في الاوراق النقاشية التي تعتبر دليل لتوجيه منظومة التخطيط الاستراتيجي للدولة ،على ضرورة اشراك المواطن في صياغة وصناعة القرار الاستراتيجي على مستوى الدوله. كما و اكد جلالته وجلالة الملكة رانيا العبدالله ،على دور الشباب في بناء و استشراف المستقبل وعلى دور المعلم في بناء جيل واعي يحمل العلم والمعرفه.
ان ضعف المنطلقات الفكرية لدى الشباب، تعود إلى الثورة التكنولوجية المتسارعة ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت مرجعيتهم الفكرية التي يستمدون منها مصادر معلوماتهم دون إمكانية التحقق من صحة تلك المعلومات، إضافة إلى عدم صلاحية تلك الوسائل، تشكل مصادر موثوقة يمكن الاعتماد عليها لتشكيل هوية فكرية لحاملها.
وهناك بعض القضايا التي يعاني منها أغلب الشباب في الوطن العربي وهي الفراغ الفكري وغياب الهدف، اللذان يجعلان الشباب أكثر سهولة وميلا لتبني آراء ومواقف منحرفة أو سلبية، وفقا لقدرة الطرف الآخر على التأثير والإقناع. و الشباب بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم يعانون مشكلات وأزمات، دون وجود جهات داعمة تستمع لشكواهم وتتفهم احتياجاتهم ومعاناتهم. وهذه الخطوة تجعل من الممكن لمن يمتلكون التأثير والقدرة على الإقناع أن يصلوا إلى قلوب الشباب وأن يحركوها كما يريدون.
يعاني جيل الشباب من حجم الفراغ الفكري ،وهذا يعود إلى النمط الاستهلاكي الذي يعيش عليه شباب اليوم بقضاء معظم أوقاتهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي،. وان المؤسسات التربوية والاجتماعية يجب أن تمنح الفرد الحق في التعبير عن الرأي والرغبة الشخصية والميول، دون أن تهمل دورها في التوجيه والإرشاد المعقول، لأن ذلك يصنع فكرا نقديا ومنتجا يثري الوسط الشبابي في المجتمع. وأن تأسيس أرضية فكرية ثابتة لدى الأبناء، يعمل على تقوية الشخصية والفكر وإيجاد مناعة ضد المؤثرات السلبية التي قد تطمس المعالم الإنسانية السوية والقيمية العالية لدى الفرد، عندها لا حاجة للخوف على الأبناء من الانفتاح على الثقافات الأخرى، بل إن ذلك قد يفتح لهم آفاقا بعيدة مليئة بالوعي والنضج.
وهناك خطورة كبيرة باعتبار وسائل التواصل الاجتماعي ، ليست لها أي هوية أو مرجعية فكرية يمكن الوثوق بها أو الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات. وهي تنتقل بسلاسة وانسيابية من المربين إلى الأجيال الشابة، فالبيئة الحاضنة التي ينشأ فيها الأبناء تتحمل وزر الضياع الذي يعيشه بعض الشباب.على العكس تماما؛ فإن توفير مساحات حرة للتساؤل والاعتراض والنقد حول مختلف الموضوعات الحياتية، يخلق حالة من الوعي والنضج الفكري والسلوكي مع مرور الوقت. و من المؤسف الاستمرارية بمنهج التلقين لدى بعض المناهج والأساتذة في المدارس والجامعات وعدم منح الطالب فرصة كافية لطرح فكره المختلف، ما يؤثر سلبا في بعض الأحيان على النشاط الذهني والطموح لديهم.
وفي النهاية: يترتب على حالة الفراغ الفكري وخاصة لدى الشباب الكثير من السلبيات منها عدم القدرة على المشاركة في صنع القرارات وعدم القدرة على حل المشكلات التي قد تواجههم والشعور بانعدام الأهمية. يضاف إليها الفشل في الحياة العامة والعجز عن التطوير والابتكار، والاستسلام للموروث السلبي والتقاليد والنمطية الفكرية. ويرتبط الفراغ الفكري ارتباطا وثيقا بغياب الهدف . وللأسف نرى الجيل الجديد يهتم بمظهره متأثرا بثقافات غربية أكثر من اهتمامه بتحقيق هدف يضعه نصب عينيه، وهذا نتيجة غياب الثقافة. لذلك هناك أهمية كبيرة لدور الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية في تعليم الطلبة كيفية وضع الهدف . وكيف يصنعون أولوياتهم ومتطلباتهم لأجل تحقيقه، ولابد من وجود خطط تنفيذية لبيان دور الشباب في مواجهة الفكر المتطرف وتحصينهم من الوقوع فريسة لهذا الفكر، حيث الجهل والفراغ الفكري من أبرز أسباب التطرف .
ونتأمل ولادة حالات إيجابية بناءة، تساعد في تقويم الفكر واستعادة قوته وضمان نتاجه الصاعد لدى الشباب.
الدكتور مفلح الزيدانين
دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي وادارة الموارد البشريه