نقاشات الاقتصاد وتشجيع الاستثمار في الأردن
فتح رضوان
04-08-2018 05:40 PM
محاكاة لفيلم الحدود لدريد لحام : تدقيق في تفاصيل.. مشهد متناقض – مقاربة في تحليل الموقف الراهن
ليس غريبا أن يناقش أحدهم مشكلة تشجيع الاستثمار في الأردن بعد أو أثناء تناول وجبة غداء دسمة... منسف على سبيل المثال.. القصة أصبحت مشوقة وليس لدى أي مسؤول مشكلة في أن يتعاطف أو حتى يتحسر على عدم تشجيع الاستثمار في مكان ظليل أو يفند الرواية الشعبية بخصوص تطفيش الاستثمار في حديث مطول مع فضائية ما ويعدد للمشاهد غير المقتنع أمثلة تعاون الحكومة مع المستثمرين.....
هذا يذكرني بفيلم الحدود لدريد لحام... في أواخر أحداث الفيلم، كما تذكرون وبعد أن يستعطف دريد لحام الجميع لقضية ضياعه في منطقة الحدود بين شرقستان وغربستان ولا سيما أنه بين أشقاء على طرفي الحدود.... في النهاية يقيم له الأشقاء مهرجانا تضامنيا فيظن المسكين أن مشكلته قد حُلت...
في صباح اليوم التالي يحاول اختراق الحدود فيطلب منه الضابط المسؤول الجواز فيذكره دريد لحام بالمهرجان التضامني فيجيبه الضابط بأنه كان حاضرا وهو يؤيد القضية ومتعاطف.... ولكن ...رغم التعاطف .....رغم التفهم.......رغم
الاعتراف بوجود مشكلة......ممنوع المرور وذلك برغم كل الحماس الذي ساد الحضور في المهرجان التضامني مع السائق المسكين (دريد لحام) الذي فقد أوراقه الثبوتية في منطقة الحدود بين شرقستان وغربستان وأصبح محصورا لا هو قادر على العودة من حيث أتى ولا الى العبور حيث يريد.
هذا بالضبط هو حال الحكومة في تنمية الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات ...الكل يتفهم ....الكل متعاطف... الكل يصفق لمن يلقون الخطابات الرنانة في تشجيع الاستثمار ولكن في صباح اليوم التالي .....ممنوع مرور البلد الى حيث يشتهي المواطن المسكين .......
وبرغم مرور ثلاثين عاما على فيلم الحدود إلا أن حبكة السيناريو كانت عبقرية في توصيف واقع متناقض.....والتناقض في هذا المقام من نصيب تشجيع الاستثمار وواقع الاقتصاد في الأردن.
هل السبب في حالة الانكماش الاقتصادي التي نعيشها عدم وجود إرادة سياسية وإذا كانت هناك إرادة سياسية هل هناك قوى خفية في البلد تستطيع تعطيلها.
هل الموضوع ثقافة ووعي.... هل من يملكون إمضاء التفاصيل لديهم عقل باطن ووعي سلبي تجاه المستثمر تجعلهم يستغلون نصوص وإجراءات مطلوبة للتعطيل والتسويف.
هل القصة قصة أصحاب مصالح مستفيدون من الوضع القائم ولا يريدون تغييره.
بكل صراحة لو سبرنا غور هذه القضية لوجدنا مجموعة عوامل تتضافر جميعا لخلق واقع في غاية التعقيد.
هذا التعقيد الذي نتحدث عنه يتجلى في مجموعة كبيرة من الفرضيات في تفسير الواقع ولكن رغم كل شيء يبقى تقاسم المسؤولية موضوعيا الى حد بعيد ولكن بالتأكيد ليست مسؤولية الوزير كمسؤولية الغفير وبالإمكان القياس على ذلك.
هناك إرادة سياسية ولكنها مقيدة بمجموعة هائلة من العوامل تجعل لقوى الشد العكسي حصانة أمام المحاسبة لا يمكن تجاوزها ..........لو دققنا في المشهد لرأينا أن أية مؤسسة أو مشروع يتم التوافق عليه يتطور سريعا الى مستويات عالمية... إذن هناك كلمة سر لتحقيق نجاح أو تميز في زاوية ما....وهذا بالضبط هو طرف الخيط في حل المشكلة.... لماذا نحن متقدمون جدا في مجالات ومتأخرون جدا في مجالات أخرى..... أنا أزعم أن أحدا من جهابذة التحليل الاقتصادي عندنا لم يكلف نفسه عناء البحث والتحليل في هذه الحيثيات ومن هنا جاءت فكرة هذا التحليل المتواضع مجرد مدخل لعصف ذهني لعلنا نضع اليد على الجرح أو نقترب منه.
أستطيع أن أضرب مثلا في هذا المقام ....مركز الحسين للسرطان كيف أصبح مركزا عالميا مرموقا لمعالجة السرطان .......وأيضا... كيف انطلقت أخيرا مشاريع الطاقة البديلة....ُّ نرد على من ينكرون وجود الإرادة السياسية بأن هناك قطاعات جيدة اقتصادية وخدمية تم تطويرها في الأردن الى مستويات عالمية فالعقدة ليست هنا مطلقا.
ليس هذا فحسب بل كانت هناك أيضا مبادرات تمت إضاعتها في دهاليز التفاصيل ورداءة التنفيذ.
المشكلة كما نراها أنه في ما دون الخطوط الحمر في السياسات الداخلية والخارجية هناك شبكة مصالح معقدة جدا تستطيع أن تضع العصي في دواليب تنفيذ أي مشروع يتعارض مع مصالح فئة متنفذة ومستفيدة من الوضع القائم سواء في القطاعات الخدمية أو الإنتاجية.
الشبكة التي أتحدث عنها ليست قادرة فقط على تعطيل المشاريع بل هي قادرة على تعطيل التشريعات التي تؤدي الى نهضة حقيقية في البلد وأكثر من ذلك هي قادرة حتى على تعطيل تطبيق القوانين.
إنكار هذا الواقع من قبل المسؤولين هو ما ينبغي التركيز عليه. الوزير يخشى من المكاشفة لأن البلد صغير وهو عرضة دوما في شبكاتنا الاجتماعية للنقد والتجريح والاتهام.
مشكلة الاستثمار في الأردن هي خوف المسؤول من الانتقام من جبهة المصالح في مختلف القطاعات والحل هو في المكاشفة والتفاوض والإقرار بتعويض المتضررين من تغيير الواقع الخدمي والإنتاجي الى ما يصبو إليه المواطن فليس معقولا على سبيل المثال نسف مصالح أصحاب باصات النقل إذا ما قررت هيئة تنظيم النقل السير في المشروع الوطني للسكك الحديدية وليس معقولا نسف مصالح المستوردين من الصين بتوطين الصناعة محليا...
وصلنا مرحلة الشفافية والمكاشفة ووضعنا المصالح العليا للوطن والمواطن فوق كل اعتبار سنستطيع دائما تطوير
البلد وتشجيع الاستثمار فيها وتعويض المتضررين من التغيير بوسائل شتى فهم في النهاية مواطنون وإنكار مصالحهم ليس عمليا حتى لو كان متاحا من الناحية النظرية فهم قادرون على الضرب تحت الحزام إذا تضررت مصالحهم ( هذا واقع كفانا إنكارا له طوال عشرات السنين) وإذا أردنا تجاوزه فليس ذلك مستحيلا ولكن في المقام الأول لا بد من الإقرار بوجود المشكلة فتشخيص الداء سيوصلنا سريعا الى الدواء.