حالة السيولة غير المسبوقة التي تعيشها البلد بحاجة لحسم، الشائعات تغزو الآفاق، والمتكلمون وأصحاب الصوت العالي هم في الهوامش، ومن ينتظر الناس بوحهم صامتون، منصات التواصل الاجتماعي تشتعل بالأقاويل والسيناريوهات المختلفة، ومن عليهم النطق لا ينطقون، رغم الوعد الفارغ بالشفافية، ربما لأنهم لا يعرفون شيئا، شأنهم شأن عامة الناس، وربما لأنهم يرون ما لا يجب كشفه، فلاذوا بالصمت!
الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في غيبوبته الاعتيادية، رغم انضمام منصة جديدة له، فهي الأخرى حملت جرثومة المرض قبل أن تولد، لا صوت يعلو غير صوت الشائعات، والتقولات والتسريبات، والمزاعم، ومع أن التجربة علمتنا أنه لا دخان بلا نار، فيبدو أن ثمة نيرانا كثيرة جدا كشفتها قصة "الدخان" ولا سبيل لإخفائها، إلا بعمل سحري لا يقوى عليه إلا ذو عزم وبصيرة وقرار!
من السهل على أي حريص أن "يقترح" على أصحاب الحل والعقد ماذا يفعلون، ولكن الصعب هو معرفة ماذا يدور في صندوقهم الأسود، وما إذا كان "الظرف" يسمح بالبوح أم لا، ولكن على كل الأحوال والأهوال، بلغنا مرحلة لا ينفع فيها الصمت، فحالة السيولة إياها، وعدم اليقين، يمكن أن تفضي للسيناريو الأسوأ، الذي لا يريد أي ممن قلبهم على البلد أن نصله، و"السيناريو الأسوأ" هنا أشبه ما يكون بالسر الذي لا يكاد يعرف كنهه أحد، فهو مفتوح على كل الاحتمالات، وكلها شرور سوداء، لا يتمناها عدو لعدوه!
الأسوأ من كل ما مضى، أن لا يكون ثمة ما يخيف، وأن كل الأمور تسير "على ما يرام!" وأن كل المخاوف والسيناريوهات السوداء هي مجرد تعبير عن حالة الفراغ الإعلامي، الذي يتحدث "فرسانه" في كل شيء إلا ما يريد الناس فعلا أن يعرفوه، كي لا يُترك من لا يعرف ليهرف بما تمليه عليه تخميناته وظنونه وأوهامه!
هل نقول: إلحقوا البلد؟
ولم لا، فرب كلمة صادقة من مصدر صادق موثوق تهدىء الروع، وتخرس الألسنة المتربصة التي تطلق "بالونات الحرائق" وتستمتع ببث روح القلق والخوف في قلوب الأردنيين والأردنيات، على ما يجري، لأنهم لا يدرون حقيقة ما يجري، ولا إلى أين تأخذهم رياح آب اللهاب!
فيا أيها الصامتون انطقوا هالجوهرة، (إذا كان هناك جوهرة طبعا!) وخبّروا الناس بما هم فيه، ومن أين، إلى أين، وكيف، ولماذا، وماذا، ومن، ومتى، فهذه هي عناصر الخبر (والمبتدأ) الحقيقية، كما يعرفها الدارسون في مرحلة "كي جي" الصحافة!